كوسا.. فرعون أم فار يطلب عون
ولأنّ المخرج إيّاه، كان يُتقِن معرفة أنّ تقزيم قوّة القذّافي تكمن في القول أنّه استجلب المرتزقة للقتال معه ضد أبناء شعبه، غير كاف لهزّ القذّافي؛ ولأنّه كان يدرك بأنّ تدعيم الثوار الليبيين والشريحة الشعبية الداعمة لنزع الرعب من أفئدتهم يحتاج إلى انتهاك عرض ما، بل أعراض ما، وكان السبيل إلى ذلك بتصوير كتائب القذّافي كجحافل جنسية تريد سبي النساء واغتصابها وهتك عذريتها وهو غير كافٍ أيضاً، فذلك أيضاً لا يهزّ هامة القذّافي، تجاوز المخرج في يقينه حقيقة أنّ هزّ تلك الهامة لا يكتمل إلّا بكسر العصي التي كان القذّافي يبطش بها، فالقذّافي في حكمه لم يخرج عن مألوف طريقة حكم كل الحكام العرب، فالأمن والعسكر والقوّة والمال هي أعمدة السلطة، وفي تصفيرها فقط تصفَّر القوّة. كان لا بدّ من البحث الدقيق اذن عن عصي القذّافي الأمنية والعسكرية والمالية لأنّه كان يجب البحث عن ضربة قاضية يتلقّاها القذّافي فترديه أرضاً.
ومن هنا، تبدأ قصّة الإنشقاق المدروس فوق العادة وفوق المفاجأة لذاك الذي كان إسمه موسى كوسا وأصبح فرعوناً، (بحسب الشاعر علي الكيلاني) فهل كان بالفعل فرعوناً، وهل أحسن المخرج إختياره ليشقّ به عصا الطاعة على القذّافي وليكون انشقاقه عبرة يجب الإقتداء بها، (نقول عبرة ولا نقول نموذجاً)، ففي ليبيا أتقن القذّافي حياكة النموذجية، فهو النموذج الأول الذي يجب أنْ يُحتذى، وكل البقية هم لخدمة هذا النموذج كما يؤكد عبد السلام جلود يقيناً.
إنّه موسى كوسا إذن، الذي بانشقاقه أراد المخرج أنْ يصبح القذّافي ليس فقط عارياً وإنّما شريداً في صحراء معركة لا تبقي ولا تذر.
الإنشقاق عن الحكم في علم السلطة هو نقيض الثقة، فالذي ينشقّ هو الذي تحوم حوله شكوك، والذي لا ينشقّ هو الذي يتجاوز الإجابة عن سؤال وإشكالية الثقة، فهل أنّ موسى كوسا قد انشقّ فعلاً؟، بمعنى آخر، هل أنّه حتى لحظة انشقاقه كان محلّ ثقة؟ طبعاً نتحدث عن ثقة القذّافي به.
تغلّب القذّافي مرّة أخرى على المخرج إذن، ففي حسابات القذّافي، موسى كوسا لم ينشقّ، لأنّه لم يكن أهلاً للثقة يوم انشقّ، أو أنّ ثقة القذّافي به قد انشقّت قبل المعركة، لا بل قبل الثورات العربية، فتحويل موسى كوسا إلى السلك الخارجي الضيّق بعد أنْ كان أميناً للأسلاك الخارجية الواسعة، بسراديبها وأسرارها وأزقتها، هو إبعاد وليس ترقية، ومن يجادل بخلاف هذا، يكون أميّاً وجاهلاً بامتياز في كيفية إدارة دفّة الحكم في بلادنا العربية، ففي تلك البلاد لا يتجاوز وزير الخارجية مرتبة الموظّف درجة أولى، فهو لا ينفِّذ إلّا ما يُملى عليه؛ في بلادنا العربية المخابرات لا تصنع السياسة فحسب، بل تصنع الساسة أيضاً.
وقبل أنْ يشقّ معمّر القذّافي ثقته بموسى كوسا، كان الأخير ليس أميناً للأمن الخارجي فحسب، بل كان يصنع ويدير ويُحيك كل متطلبات الأمن الخارجي. أدرك القذّافي اذن ومنذ سنوات بأنّ أرشيف موسى كوسا يجب أنْ يتحوّل، وأنْ تحصل عملية تدوير واستدارة نحو الذي تجاوز بالفعل حدود ثقة معمّر القذّافي وفق ما أبلغتنا به تفاصيل عدوان الناتو الأخير على ليبيا، إنّه «أبو زيد دوردة» الذي كان بالنسبة إلى القذّافي كأبو زيد الهلالي، في حين كان موسى كوسا بالنسبة لمعمّر القذّافي أقل بقليل في وطأته من عمرو موسى.
أتقن القذّافي بامتياز لعبة الشطرنج التي استظهرها قصداً في زحمة صواريخ الناتو المنهمرة على باب عزيزيته، وكان خصمه في تلك اللعبة المحترف الروسي الأكبر الذي ربّما أسقط خسارته أمام القذّافي على حسابات بلاده فانهزمت روسيا شرّ هزيمة مع لاعب الشطرنج الأميركي المحترف فوق العادة.
وفي تلك اللعبة لم يكن موسى كوسا ملكاً ولا وزيراً ولا فيلاً ولا قلعةً ولا حصاناً، بل كان مجرد حجرٍ لم يتوقّف القذّافي عنده طالما أنّه الملك المُحاط فعلاً بفيله وقلاعه وأحصنته الدوردوية، لكنْ أين كان الإشكال؟ عفواً أين كان «إشكال»؟.
سيكون لنا مع هذا «إشكال» حديث لاحق، فهو الآن برّانيّ على مجادلتنا في لعبة الكبار، مثله مثل موسى كوسا الذي لم يكن حجر عثرة تقف في وجه الإشكاليات الحسابية المنهمرة من عقل القذّافي وغير المنحدرة أساساً من أصله.
نجزم أنّ موسى كوسا كان فارغ الجيب عندما انشقّ، فلم ينجح «المخرج» في أنْ يحسبه منتوجاً من منتجات الأمن الغذائي الناتوي، فظهر كمنشق دون مشتقات، ولو كان العكس صحيحاً لما اقتدر القذّافي أنْ يقاتل أكثر من سبعة أشهر بعد التحاق موسى كوسا بالناتو. هناك فجوة إذن، فهذا الرجل يعرف الكثير ويدرك الأكثر وهو الذي حاك وشاك وكانت علاقته مع الخيمة تتجاوز كونه وتداً من أوتادها، ومع ذلك ذهب إلى الناتو مغسولَ الدماغ. هناك سرٌ ما إذن، أترك الإجابة عليه لموسى كوسا، ليجيب معه عن سؤال آخر: فهل هو انشقّ ليكون رائداً أمْ لأنّه كان مروَّضاً؟.
لا أعرف الإجابة. لكنْ ما يمكنني أنْ أدّعيه الآن، هو أنّ القذّافي يستحقّ بجدارة لقب «أخطر مدير مخابرات في العالم»، فهو يُجيد أو أكثر من يُجيد استخدام الأشخاص لا استجلاب الأشخاص. وربّما لذلك لم ير الكثيرون الذين هم من طينة وطائفة موسى كوسا فيه نموذجاً يُحتذى، لذلك لم نر من بين الانشقاقات رتلاً أمنياً كبيراً.
المصدر : http://alichendeb.blogspot.com/
الأحد مايو 31, 2015 3:20 pm من طرف الفارس الفارس
» الإتحاد الأوربي و ليبيا
الأحد مايو 31, 2015 3:15 pm من طرف الفارس الفارس
» مدينة سرت الليبية و الجفرة و مناطق الوسط تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش )
الأحد مايو 31, 2015 3:02 pm من طرف الفارس الفارس
» سرت و نقص البنزين
السبت مايو 16, 2015 2:28 pm من طرف الفارس الفارس
» حديث اخضر اللثام للمنظمات الحقوقية عن مايحدث في طرابلس و ورشفانة
الخميس أبريل 30, 2015 8:24 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء أبريل 29, 2015 7:54 am من طرف عائشة القذافي
» بقلم الأستاذ : هشام عراب .
الأربعاء مارس 18, 2015 10:43 am من طرف عائشة القذافي
» نبوءة القذافي يحقّقها آل فبراير، ويقرّ بها العالم ،،
الأربعاء مارس 04, 2015 8:53 pm من طرف عائشة القذافي
» توفيق عكاشة يهدد التنظيم و يطالب أهالي سرت بعدم الذهاب للجامعة
الثلاثاء مارس 03, 2015 10:34 pm من طرف عائشة القذافي
» منظمة ضحايا لحقوق الانسان Victims Organization for Human Rights
الأربعاء يناير 21, 2015 8:49 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء يناير 21, 2015 8:30 am من طرف عائشة القذافي
» معمر القذافي علي قيد الحياة بالدليل القاطع
الإثنين ديسمبر 08, 2014 8:24 pm من طرف الفارس الفارس