القذّافي: من أنــــتــــم؟
لقد فات «المخرج» هذه المرّة، الحقيقة المُرّة التي تجهر بالقول أنّه وبينما كان سيف الإسلام يُحدّد البوصلة الجديدة لمستقبل ليبيا «الغد»، كان معمّر القذّافي يبحث عن أوّل بزّة عسكرية ارتداها في مسيرته، فاليوم حان وقت الهروب إلى الأمام لا إلى تشافيز؛ كيف لا! وهو أكثر من يعرف أنّ خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، فهجم القذّافي ليُنفِّذ عمليته النوعية الأولى، والتي أراد من خلالها القول، إنّه هنا يقود المعركة، وليس كما ادّعى الكاذبون، بأنّه هرب إلى فنزويلا.
غير أنّه في تلك الإطلالة الليلية الخاطفة، لم ينجح المطارَد بكذبة الإستفزاز في إزالة رواسب لا حقيقة فراره إلى أرض شافيز وهو كان مدركاً لذلك، إذْ لم تمض أربع وعشرون ساعة على هذه الإطلالة، حتى يظهر القذّافي من جديد بمظهر القائد الأعلى الذي يعتلي المنابر، ليفجِّر خطاباً ينبغي التوقّف عنده في الشكل والمضمون، وبالتأكيد ليس من داع للقول بأنّنا نقصد خطاب «من أنتم» الأشهر من أنْ يُعرّف، والأصعب من أنْ يدّعينّ أحد مقدرته في فكّ رموزه وصواعقه.. لكنّنا سنحاول معاً.
إذن، جاء خطاب «من أنتم» ليُوقِف العالم بأكمله عند حدِّه؛ ذلك العالم الذي عاش لأكثر من أربع وعشرين ساعة، وهْم شماتة برجولية ذلك «رجل»، فكيف لعالم عاش في قرارته فكرة الهزل من ذلك الهارب، أنْ يتقبّل ويتحمّل آلام وأوجاع الصلب وراء شاشات الفضائيات، ليشاهد وليشهد على نفسه وهي تُجلد بسوط صوت القذّافي.
وبالرغم من أنّ الزعيم الليبي كان يتوجه بعبارته الشهيرة «من أنتم» إلى ليبيين ركبوا المركب الأطلسي وثاروا على من أصعدهم مركب المجد كما يدّعي القذّافي، إلّا أنّ كل متابع ومتتبِّع، بنشوة مُنساقة لحلقات مسلسل «القذّافي هرب»، كان يجد نفسه مخاطباً بتلك العبارة.
ما أبشع أنْ تبني أفراحك على كذبة تشلّ نعمة عقل خصّك به الله، لتكتشف بعد ذلك أنّ أفراحك نابعة من غريزة استثناك الله منها ليرفعك دون مخلوقاته الأخرى، هذا ما أراد القذّافي قوله للبشرية لحظة غزوه لها في «زنقاتها» ذات ليلة خضراء.
في الشكل، دخل «القذّافي» في عمق الليل طوعاً غرف نوم العالم، ومطوِّعا لها، منتصب القامة، خالعاً رداء الصمت، وكأنّه يريد بهذا الدخول المترافق مع طقوسه المثيرة، الثأر الليلي، من كل شامت ارتكب فعلته في وضح النهار. وكأنّي بمعمّر القذّافي يستحضر الأداة التي طوّع بها ليبيا والتي يعرفها الكثيرون ممّن تسلّموا مناصب في الدولة الليبية، ليشحذها من جديد، بشهادة الكاميرا التي انصاعت لبلاغة موقف حرّك في نون النسوة شراهة التمدّد بين «ز» و«ق»، ليختم رجولة العالم بتاء التأنيث. ذكور العرب إذن يتوزّعون بين «زنقة» الكذب و«زنقة» الغريزة.
في الشكل أيضاً، خطب القذّافي من على شرفة منزله شبه المدمّر بفعل غارة أميركية ـــــ بريطانية استهدفته عام 1986. فظهر بمظهر المتحدّي المُعلِن لحالة الحرب، «فمن بيته من زجاج لا يرشق الناس بالحجارة»، ذلك أنّ حجارة الكذب الإعلامي التي رشقت هالة القذّافي تتجاوز بكمّها ونوعها كل الحجارة التي رشق المسلمون بها إبليس منذ جُعِل حجّ بيت الله الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة، لمن استطاع إليه سبيلا. وإذا كانت وجوبية رشق إبليس تجد مصدرها في تمرُّد وعصيان نفّذه إبليس برفضه أمراً إلهياً يقضي بالسجود لآدم، فإنّ وجوبية رشق القذّافي تجد مصدرها في تمرُّد وعصيان نفّذه القذّافي برفضه السجود لآدمية ثورة لم تأت إلّا لإخراج الآدميين من الظلمات إلى النور الواجب تسرّبه فقط من غيمة المسلمين الجُدُد، لكن.
لكن.. قبل الدخول إلى مضمون خطاب القذّافي، لا بُدّ من التوقف مليّاً عند مضمون الشكل الخاص لوقفة القذّافي في هذا الخطاب، في تلك اللحظة الواقفة بدورها عند مفترق طرق تتّسم بالوعورة، فحتى تلك اللحظة المبهمة بتضاريسها الغامضة كان ثمّة جهل مطبق يلفّ الجميع؛ الجميع بدون استثناء، حول مكان ومقر تموضع ليبيا، هل هي بيد القذّافي؟ أم انتقلت ليد أخرى؟ هل كان القذّافي يلقي خطابه لفكّ حصاره؟ أم لفرض حصار على غيره؟ من كان يحاصر من؟ من كان الضعيف ومن كان القوي؟.
كان صمت المشهد أكثر دويّاً من زمجرة القذّافي.. وكانت الأسئلة متناسلة تحاول استباق الخطاب.
باختصار شديد كنّا أمام ممثلين لمخرج مجهول، ومع إطلالة القذّافي انقلبت الصورة وتغيّر المشهد، فأضحينا أمام مخرج معلوم لممثلين مجهولين ومتجاهلين.
نحطّ رحالنا وننصب خيمتنا اذن مقابل ذلك المنبر الذي اعتلاه معمّر القذّافي ذات ساعة ليلية لنتساءل معاً ما الذي قاله القذّافي؟ وماذا أراد أنْ يقول؟ وهل قال كل ما أراد قوله؟ أم كعادته أخفى الكثير ليقول القليل؟.
أجزم أنّ بشرياً ما لم يتوقّف لساعة كتلك التي وقفها القذّافي ليستوقفنا مع التاريخ عندها، وليبحث في دهاليز فكره، ومكنونات أفكاره.
وأجزم أيضاً أنّ البشرية كعادتها في تصدّيها للقذّافي، يحذف انبهارها بمظهره وكارزميته ما يتسرّب من بين شفتيه، هكذا هي في حالة السلم، فماذا يغطي على ماذا في حالة الحرب؟ وهي الحالة التي يبدو فيها القذّافي في ذروة الإبهار، وتكون الكاريزما معه في أعلى مستوياتها؛ كاريزما من المعروف أنّ تأثيرها على النساء أكثر بكثير من تأثيرها على الذكور، فالمرأة أمام القذّافي تخلع أي شيء حتى زوجها، والرجل أمام القذّافي مستعد أنْ يخلع كل شيء ليستبقي رجوليته التي تعيش أمام القذّافي حالة تهديد بالزوال.
المصدر : http://alichendeb.blogspot.com/2013/04/blog-post_2210.html
لقد فات «المخرج» هذه المرّة، الحقيقة المُرّة التي تجهر بالقول أنّه وبينما كان سيف الإسلام يُحدّد البوصلة الجديدة لمستقبل ليبيا «الغد»، كان معمّر القذّافي يبحث عن أوّل بزّة عسكرية ارتداها في مسيرته، فاليوم حان وقت الهروب إلى الأمام لا إلى تشافيز؛ كيف لا! وهو أكثر من يعرف أنّ خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، فهجم القذّافي ليُنفِّذ عمليته النوعية الأولى، والتي أراد من خلالها القول، إنّه هنا يقود المعركة، وليس كما ادّعى الكاذبون، بأنّه هرب إلى فنزويلا.
غير أنّه في تلك الإطلالة الليلية الخاطفة، لم ينجح المطارَد بكذبة الإستفزاز في إزالة رواسب لا حقيقة فراره إلى أرض شافيز وهو كان مدركاً لذلك، إذْ لم تمض أربع وعشرون ساعة على هذه الإطلالة، حتى يظهر القذّافي من جديد بمظهر القائد الأعلى الذي يعتلي المنابر، ليفجِّر خطاباً ينبغي التوقّف عنده في الشكل والمضمون، وبالتأكيد ليس من داع للقول بأنّنا نقصد خطاب «من أنتم» الأشهر من أنْ يُعرّف، والأصعب من أنْ يدّعينّ أحد مقدرته في فكّ رموزه وصواعقه.. لكنّنا سنحاول معاً.
إذن، جاء خطاب «من أنتم» ليُوقِف العالم بأكمله عند حدِّه؛ ذلك العالم الذي عاش لأكثر من أربع وعشرين ساعة، وهْم شماتة برجولية ذلك «رجل»، فكيف لعالم عاش في قرارته فكرة الهزل من ذلك الهارب، أنْ يتقبّل ويتحمّل آلام وأوجاع الصلب وراء شاشات الفضائيات، ليشاهد وليشهد على نفسه وهي تُجلد بسوط صوت القذّافي.
وبالرغم من أنّ الزعيم الليبي كان يتوجه بعبارته الشهيرة «من أنتم» إلى ليبيين ركبوا المركب الأطلسي وثاروا على من أصعدهم مركب المجد كما يدّعي القذّافي، إلّا أنّ كل متابع ومتتبِّع، بنشوة مُنساقة لحلقات مسلسل «القذّافي هرب»، كان يجد نفسه مخاطباً بتلك العبارة.
ما أبشع أنْ تبني أفراحك على كذبة تشلّ نعمة عقل خصّك به الله، لتكتشف بعد ذلك أنّ أفراحك نابعة من غريزة استثناك الله منها ليرفعك دون مخلوقاته الأخرى، هذا ما أراد القذّافي قوله للبشرية لحظة غزوه لها في «زنقاتها» ذات ليلة خضراء.
في الشكل، دخل «القذّافي» في عمق الليل طوعاً غرف نوم العالم، ومطوِّعا لها، منتصب القامة، خالعاً رداء الصمت، وكأنّه يريد بهذا الدخول المترافق مع طقوسه المثيرة، الثأر الليلي، من كل شامت ارتكب فعلته في وضح النهار. وكأنّي بمعمّر القذّافي يستحضر الأداة التي طوّع بها ليبيا والتي يعرفها الكثيرون ممّن تسلّموا مناصب في الدولة الليبية، ليشحذها من جديد، بشهادة الكاميرا التي انصاعت لبلاغة موقف حرّك في نون النسوة شراهة التمدّد بين «ز» و«ق»، ليختم رجولة العالم بتاء التأنيث. ذكور العرب إذن يتوزّعون بين «زنقة» الكذب و«زنقة» الغريزة.
في الشكل أيضاً، خطب القذّافي من على شرفة منزله شبه المدمّر بفعل غارة أميركية ـــــ بريطانية استهدفته عام 1986. فظهر بمظهر المتحدّي المُعلِن لحالة الحرب، «فمن بيته من زجاج لا يرشق الناس بالحجارة»، ذلك أنّ حجارة الكذب الإعلامي التي رشقت هالة القذّافي تتجاوز بكمّها ونوعها كل الحجارة التي رشق المسلمون بها إبليس منذ جُعِل حجّ بيت الله الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة، لمن استطاع إليه سبيلا. وإذا كانت وجوبية رشق إبليس تجد مصدرها في تمرُّد وعصيان نفّذه إبليس برفضه أمراً إلهياً يقضي بالسجود لآدم، فإنّ وجوبية رشق القذّافي تجد مصدرها في تمرُّد وعصيان نفّذه القذّافي برفضه السجود لآدمية ثورة لم تأت إلّا لإخراج الآدميين من الظلمات إلى النور الواجب تسرّبه فقط من غيمة المسلمين الجُدُد، لكن.
لكن.. قبل الدخول إلى مضمون خطاب القذّافي، لا بُدّ من التوقف مليّاً عند مضمون الشكل الخاص لوقفة القذّافي في هذا الخطاب، في تلك اللحظة الواقفة بدورها عند مفترق طرق تتّسم بالوعورة، فحتى تلك اللحظة المبهمة بتضاريسها الغامضة كان ثمّة جهل مطبق يلفّ الجميع؛ الجميع بدون استثناء، حول مكان ومقر تموضع ليبيا، هل هي بيد القذّافي؟ أم انتقلت ليد أخرى؟ هل كان القذّافي يلقي خطابه لفكّ حصاره؟ أم لفرض حصار على غيره؟ من كان يحاصر من؟ من كان الضعيف ومن كان القوي؟.
كان صمت المشهد أكثر دويّاً من زمجرة القذّافي.. وكانت الأسئلة متناسلة تحاول استباق الخطاب.
باختصار شديد كنّا أمام ممثلين لمخرج مجهول، ومع إطلالة القذّافي انقلبت الصورة وتغيّر المشهد، فأضحينا أمام مخرج معلوم لممثلين مجهولين ومتجاهلين.
نحطّ رحالنا وننصب خيمتنا اذن مقابل ذلك المنبر الذي اعتلاه معمّر القذّافي ذات ساعة ليلية لنتساءل معاً ما الذي قاله القذّافي؟ وماذا أراد أنْ يقول؟ وهل قال كل ما أراد قوله؟ أم كعادته أخفى الكثير ليقول القليل؟.
أجزم أنّ بشرياً ما لم يتوقّف لساعة كتلك التي وقفها القذّافي ليستوقفنا مع التاريخ عندها، وليبحث في دهاليز فكره، ومكنونات أفكاره.
وأجزم أيضاً أنّ البشرية كعادتها في تصدّيها للقذّافي، يحذف انبهارها بمظهره وكارزميته ما يتسرّب من بين شفتيه، هكذا هي في حالة السلم، فماذا يغطي على ماذا في حالة الحرب؟ وهي الحالة التي يبدو فيها القذّافي في ذروة الإبهار، وتكون الكاريزما معه في أعلى مستوياتها؛ كاريزما من المعروف أنّ تأثيرها على النساء أكثر بكثير من تأثيرها على الذكور، فالمرأة أمام القذّافي تخلع أي شيء حتى زوجها، والرجل أمام القذّافي مستعد أنْ يخلع كل شيء ليستبقي رجوليته التي تعيش أمام القذّافي حالة تهديد بالزوال.
المصدر : http://alichendeb.blogspot.com/2013/04/blog-post_2210.html
الأحد مايو 31, 2015 3:20 pm من طرف الفارس الفارس
» الإتحاد الأوربي و ليبيا
الأحد مايو 31, 2015 3:15 pm من طرف الفارس الفارس
» مدينة سرت الليبية و الجفرة و مناطق الوسط تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش )
الأحد مايو 31, 2015 3:02 pm من طرف الفارس الفارس
» سرت و نقص البنزين
السبت مايو 16, 2015 2:28 pm من طرف الفارس الفارس
» حديث اخضر اللثام للمنظمات الحقوقية عن مايحدث في طرابلس و ورشفانة
الخميس أبريل 30, 2015 8:24 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء أبريل 29, 2015 7:54 am من طرف عائشة القذافي
» بقلم الأستاذ : هشام عراب .
الأربعاء مارس 18, 2015 10:43 am من طرف عائشة القذافي
» نبوءة القذافي يحقّقها آل فبراير، ويقرّ بها العالم ،،
الأربعاء مارس 04, 2015 8:53 pm من طرف عائشة القذافي
» توفيق عكاشة يهدد التنظيم و يطالب أهالي سرت بعدم الذهاب للجامعة
الثلاثاء مارس 03, 2015 10:34 pm من طرف عائشة القذافي
» منظمة ضحايا لحقوق الانسان Victims Organization for Human Rights
الأربعاء يناير 21, 2015 8:49 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء يناير 21, 2015 8:30 am من طرف عائشة القذافي
» معمر القذافي علي قيد الحياة بالدليل القاطع
الإثنين ديسمبر 08, 2014 8:24 pm من طرف الفارس الفارس