ثورة بلا ثوّار
انطلاقاً ممّا ورد في الفقرة السابقة لا بد من سؤال يطرح نفسه ويقول: هلْ إنّ شطب العوامل الإقتصادية في ليبيا من لائحة محرِّضات الثورة مقارنة بثورتي تونس ومصر تجعل الثورة على النظام الليبي أمراً غير مبرّر وماذا عن المشتركات بين الإنسان التونسي والمصري ونظيرهما الليبي؟.
دعونا نطرح هذه الفرضية التي تولّدت جرّاء حوار مع مثقف ليبي كبير:
فلو أنّ الربيع العربي لم ينطلق من تونس وكان عليه أنْ ينطلق من مكان ما، من دولة عربية ما، من رجل ما، من بوعزيزيّ ما، فهل كان يمكن أنْ تكون ليبيا هي المنطلق ليكون الوطن العربي بأكمله هو المستقر؟.
بمعنى آخر هل يمكن أنْ نحصل على بوعزيزي ليبي يتجرّأ فيبادر على حرق جسده لأنّ شرطيّة ليبية صفعته وهو منتصب أمام عربة خضاره؟.
وإنّنا إذْ نطرح هذه الفرضية فذلك ليس انطلاقاً من الشكل فحسب، وإنّما من المضمون أيضاً؛ ففي الشكل يتمثّل المقصود بأنّ بوعزيزي تونسي قادته عزيزية نفسه وعازتها لأنْ يبادر إلى إشعال النار في جسده دون أنْ يدري أو يهتم ما إذا كان سيمتد لهيبها إلى الوطن فتشعله ثورة وليستحيل جسده وردة حمراء تزهر في خريف العرب فتحيله ربيعاً ملتهباً عكس سُنّة ربيع الطبيعة المعروف باعتدال طقسه وطقوسه وصفاء سمائه وعذوبة مائه!.
وفي المضمون فإنّ بوعزيزي تونس هو نموذج خطير لشريحة واسعة من شعب تونسي، العاطلون فيه عن العمل، هم كوكبته ونخبته وأدمغته وشعلة مستقبله ومأساة ماضيه وحرقة حاضره، لذلك تجلّت في بسيكولوجيا البوعزيزي لحظة فعلته تضاريس كبيرة من ردّات الفعل غير المرئية عبّرت عن نفسها بتلك الفعلة ـــــ المحرقة.
دعونا نأخذ هذه المشهدية التونسية لنُسقطها على الواقع الليبي عشية الثورة وعشية ما قبل الثورة وظهيرة ما بعد ثورة الفاتح. هنا تابع المثقف الليبي الكبير شهيته في سرده وشرحه للموضوع المثير دون جدل، ليقول جازماً بأنّ الواقع الليبي مختلف كلياً وجذرياً عن الواقع التونسي؛ قال بثقة العارف والمتعصِّب لليبيّته «نعم هناك فقر في ليبيا كما إنّه هناك غنى في ليبيا، وهناك غنى في أميركا لكن هناك أيضاً فقر في أميركا، فالفقر والغنى حالتان موجودتان في كل المجتمعات وفي شتى دول العالم ولو بنسب مختلفة، لكن علينا إنْ أردنا أنْ نكون منطقيين وواقعيين وموضوعيين ومنصفين أنْ نُعرّف ونُحدّد الفقر والفقير في ليبيا، هنا سنجد أنّ الحالة ليست نافرة كما إنّها ليست نافرة في اليابان وسويسرا والخليج العربي، لكنّها نافرة في كل البلاد العربية غير النفطية، وتبدو أشدّ نفوراً في تونس ومصر. فإذا وجدت في ليبيا مواطناً فقيراً أمام عربة خضاره (والكلام لمحدّثي الليبي) هذا أمر طبيعي، لكنْ أتحدّاك أنْ تقول لي بأنّ بائع الخضار الفقير هذا يحمل شهادة علمية. فلو صدقت هذه الحالة لكنت أمام ظاهرة مرعبة ما كانت لتسمح لمعمّر القذّافي في البقاء أربعة عقود على رأس الدولة. وربّما تقول لي إنّ البوعزيزي وإخوانه أبقووا زين العابدين بن علي لثلاثة عقود في الحكم، هنا سأبتسم وأفاجئك بالردّ البسيط: لو كان في تونس نفط ليبيا لما سمح بوعزيزيوها لــــ «بن علي» أنْ يستمر سنة واحدة في الحكم. لكن يا صديقي رغم ذلك أعود وأصدقك القول بأنّ شرطية ليبية قد تصفع أي مواطن ليبي دون أنْ تكون ردّة فعله أكثر ممّا تتوقع، فأنت تعرف الليبيين مثلي، فاعذرني من الإسترسال».
والآن أصدقكم القول أنّي في تلك اللحظة، كابرت وأوحيت لصديقي المثقّف الكبير أنّي فهمت مقصده عندما قال «اعذرني من الإسترسال»، لكنني لحظتها لم أفهم جيداً أبعاد هذه العبارة ومضامينها الحقيقية، غير أنّني عندما تلقّت مدينتا «طرابلس وسرت» الدفعة الأولى من صواريخ الأطلسي ووجدت كيف ارتفعت معنويات ثوّار جماهيرية العقيد، قادني اللّاوعي مباشرة إلى أنّ أتسلّح بصفتي كصحافي لاستهداف لقاء مُلِحّ مع ذلك المثقف الكبير الذي كان منشغلاً في إدارة معاركه متعدِّدة الجبهات والحبلى بأجنّة لطالما اعتقدت متيقناً أنّه قادر على إجهاضها بطريقته العبقرية التي يَسِمُهُ الصديق بها ويحسده العدو عليها، فقط، نعم فقط، لأمرِّر له من بين كلام كثير، ما تسلّحت به لأجل الوصول إليه، وحصل اللقاء، وقبل أنْ ألقي عليه سؤالي الأول، فاجأته عندما بادرته بالجواب الأول لسؤال لطالما اعتبرني أنّي فَقِهْتُهُ: «الآن فهمت عليك سيدي، والآن أعذرك عن عدم الإسترسال حينها، فمن يبتهج بقصف الناتو لبلاده، لا يستطيع أنْ يحرق نفسه غضباً من صفعة شرطية».
والآن اسمحوا لي أنْ أترحّم على روح ذلك الصديق المثقّف، الذي سقط مضرّجاً بدمه وأثبت باستشهاده فوق تراب سرت أنّه كان مسترسلاً في الإنسجام مع قناعاته. ولمن لا يعرف فإنّ كل الذين استشهدوا في معركة سرت كانوا ذاهبين إلى الموت بأقدامهم الثابتة لعلمهم المسبق بأنّ كل من سيبقى في سرت ليخوض معركتها الأخيرة سيكون مصيره الموت المحتوم وهذا ما حصل، فاستشهد صديقي مع سرت وابنه وأبناؤها عن بكرة أبيهم، لكنّ المفارقة أنّ قاتليهم من أبناء الوطن كانوا مدينين للبوعزيزي لدرجة أنّهم قاموا بحرق صديقي وشهداء سرت بعدما قصفتهم أساطيل الناتو.
المصدر : http://alichendeb.blogspot.com/2013/04/blog-post_6.html
انطلاقاً ممّا ورد في الفقرة السابقة لا بد من سؤال يطرح نفسه ويقول: هلْ إنّ شطب العوامل الإقتصادية في ليبيا من لائحة محرِّضات الثورة مقارنة بثورتي تونس ومصر تجعل الثورة على النظام الليبي أمراً غير مبرّر وماذا عن المشتركات بين الإنسان التونسي والمصري ونظيرهما الليبي؟.
دعونا نطرح هذه الفرضية التي تولّدت جرّاء حوار مع مثقف ليبي كبير:
فلو أنّ الربيع العربي لم ينطلق من تونس وكان عليه أنْ ينطلق من مكان ما، من دولة عربية ما، من رجل ما، من بوعزيزيّ ما، فهل كان يمكن أنْ تكون ليبيا هي المنطلق ليكون الوطن العربي بأكمله هو المستقر؟.
بمعنى آخر هل يمكن أنْ نحصل على بوعزيزي ليبي يتجرّأ فيبادر على حرق جسده لأنّ شرطيّة ليبية صفعته وهو منتصب أمام عربة خضاره؟.
وإنّنا إذْ نطرح هذه الفرضية فذلك ليس انطلاقاً من الشكل فحسب، وإنّما من المضمون أيضاً؛ ففي الشكل يتمثّل المقصود بأنّ بوعزيزي تونسي قادته عزيزية نفسه وعازتها لأنْ يبادر إلى إشعال النار في جسده دون أنْ يدري أو يهتم ما إذا كان سيمتد لهيبها إلى الوطن فتشعله ثورة وليستحيل جسده وردة حمراء تزهر في خريف العرب فتحيله ربيعاً ملتهباً عكس سُنّة ربيع الطبيعة المعروف باعتدال طقسه وطقوسه وصفاء سمائه وعذوبة مائه!.
وفي المضمون فإنّ بوعزيزي تونس هو نموذج خطير لشريحة واسعة من شعب تونسي، العاطلون فيه عن العمل، هم كوكبته ونخبته وأدمغته وشعلة مستقبله ومأساة ماضيه وحرقة حاضره، لذلك تجلّت في بسيكولوجيا البوعزيزي لحظة فعلته تضاريس كبيرة من ردّات الفعل غير المرئية عبّرت عن نفسها بتلك الفعلة ـــــ المحرقة.
دعونا نأخذ هذه المشهدية التونسية لنُسقطها على الواقع الليبي عشية الثورة وعشية ما قبل الثورة وظهيرة ما بعد ثورة الفاتح. هنا تابع المثقف الليبي الكبير شهيته في سرده وشرحه للموضوع المثير دون جدل، ليقول جازماً بأنّ الواقع الليبي مختلف كلياً وجذرياً عن الواقع التونسي؛ قال بثقة العارف والمتعصِّب لليبيّته «نعم هناك فقر في ليبيا كما إنّه هناك غنى في ليبيا، وهناك غنى في أميركا لكن هناك أيضاً فقر في أميركا، فالفقر والغنى حالتان موجودتان في كل المجتمعات وفي شتى دول العالم ولو بنسب مختلفة، لكن علينا إنْ أردنا أنْ نكون منطقيين وواقعيين وموضوعيين ومنصفين أنْ نُعرّف ونُحدّد الفقر والفقير في ليبيا، هنا سنجد أنّ الحالة ليست نافرة كما إنّها ليست نافرة في اليابان وسويسرا والخليج العربي، لكنّها نافرة في كل البلاد العربية غير النفطية، وتبدو أشدّ نفوراً في تونس ومصر. فإذا وجدت في ليبيا مواطناً فقيراً أمام عربة خضاره (والكلام لمحدّثي الليبي) هذا أمر طبيعي، لكنْ أتحدّاك أنْ تقول لي بأنّ بائع الخضار الفقير هذا يحمل شهادة علمية. فلو صدقت هذه الحالة لكنت أمام ظاهرة مرعبة ما كانت لتسمح لمعمّر القذّافي في البقاء أربعة عقود على رأس الدولة. وربّما تقول لي إنّ البوعزيزي وإخوانه أبقووا زين العابدين بن علي لثلاثة عقود في الحكم، هنا سأبتسم وأفاجئك بالردّ البسيط: لو كان في تونس نفط ليبيا لما سمح بوعزيزيوها لــــ «بن علي» أنْ يستمر سنة واحدة في الحكم. لكن يا صديقي رغم ذلك أعود وأصدقك القول بأنّ شرطية ليبية قد تصفع أي مواطن ليبي دون أنْ تكون ردّة فعله أكثر ممّا تتوقع، فأنت تعرف الليبيين مثلي، فاعذرني من الإسترسال».
والآن أصدقكم القول أنّي في تلك اللحظة، كابرت وأوحيت لصديقي المثقّف الكبير أنّي فهمت مقصده عندما قال «اعذرني من الإسترسال»، لكنني لحظتها لم أفهم جيداً أبعاد هذه العبارة ومضامينها الحقيقية، غير أنّني عندما تلقّت مدينتا «طرابلس وسرت» الدفعة الأولى من صواريخ الأطلسي ووجدت كيف ارتفعت معنويات ثوّار جماهيرية العقيد، قادني اللّاوعي مباشرة إلى أنّ أتسلّح بصفتي كصحافي لاستهداف لقاء مُلِحّ مع ذلك المثقف الكبير الذي كان منشغلاً في إدارة معاركه متعدِّدة الجبهات والحبلى بأجنّة لطالما اعتقدت متيقناً أنّه قادر على إجهاضها بطريقته العبقرية التي يَسِمُهُ الصديق بها ويحسده العدو عليها، فقط، نعم فقط، لأمرِّر له من بين كلام كثير، ما تسلّحت به لأجل الوصول إليه، وحصل اللقاء، وقبل أنْ ألقي عليه سؤالي الأول، فاجأته عندما بادرته بالجواب الأول لسؤال لطالما اعتبرني أنّي فَقِهْتُهُ: «الآن فهمت عليك سيدي، والآن أعذرك عن عدم الإسترسال حينها، فمن يبتهج بقصف الناتو لبلاده، لا يستطيع أنْ يحرق نفسه غضباً من صفعة شرطية».
والآن اسمحوا لي أنْ أترحّم على روح ذلك الصديق المثقّف، الذي سقط مضرّجاً بدمه وأثبت باستشهاده فوق تراب سرت أنّه كان مسترسلاً في الإنسجام مع قناعاته. ولمن لا يعرف فإنّ كل الذين استشهدوا في معركة سرت كانوا ذاهبين إلى الموت بأقدامهم الثابتة لعلمهم المسبق بأنّ كل من سيبقى في سرت ليخوض معركتها الأخيرة سيكون مصيره الموت المحتوم وهذا ما حصل، فاستشهد صديقي مع سرت وابنه وأبناؤها عن بكرة أبيهم، لكنّ المفارقة أنّ قاتليهم من أبناء الوطن كانوا مدينين للبوعزيزي لدرجة أنّهم قاموا بحرق صديقي وشهداء سرت بعدما قصفتهم أساطيل الناتو.
المصدر : http://alichendeb.blogspot.com/2013/04/blog-post_6.html
الأحد مايو 31, 2015 3:20 pm من طرف الفارس الفارس
» الإتحاد الأوربي و ليبيا
الأحد مايو 31, 2015 3:15 pm من طرف الفارس الفارس
» مدينة سرت الليبية و الجفرة و مناطق الوسط تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش )
الأحد مايو 31, 2015 3:02 pm من طرف الفارس الفارس
» سرت و نقص البنزين
السبت مايو 16, 2015 2:28 pm من طرف الفارس الفارس
» حديث اخضر اللثام للمنظمات الحقوقية عن مايحدث في طرابلس و ورشفانة
الخميس أبريل 30, 2015 8:24 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء أبريل 29, 2015 7:54 am من طرف عائشة القذافي
» بقلم الأستاذ : هشام عراب .
الأربعاء مارس 18, 2015 10:43 am من طرف عائشة القذافي
» نبوءة القذافي يحقّقها آل فبراير، ويقرّ بها العالم ،،
الأربعاء مارس 04, 2015 8:53 pm من طرف عائشة القذافي
» توفيق عكاشة يهدد التنظيم و يطالب أهالي سرت بعدم الذهاب للجامعة
الثلاثاء مارس 03, 2015 10:34 pm من طرف عائشة القذافي
» منظمة ضحايا لحقوق الانسان Victims Organization for Human Rights
الأربعاء يناير 21, 2015 8:49 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء يناير 21, 2015 8:30 am من طرف عائشة القذافي
» معمر القذافي علي قيد الحياة بالدليل القاطع
الإثنين ديسمبر 08, 2014 8:24 pm من طرف الفارس الفارس