القذّافي يدكّ أسواره
.. هنا ينتهي الشكّ والشكل معاً، ليأتي المضمون بمفعوله المتطرِّف هذه المرّة فيتشابه إلى حدٍ كبير مع شخصية القذّافي المتطرّفة في مواقفها ووقفاتها؛ إنّه الموعد غير المنتظر مع قمّة دمشق. في هذه القمّة ألقى الزعيم الليبي خطاباً قال فيه وسط سخرية وضحك المؤتمرين بأنّ أميركا قد توافق على اغتيال القادة العرب في يوم ما، تماماً كما فعلت مع صدّام حسين الذي شُنق وسط لامبالاة الجامعة العربية والقادة العرب. «لماذا لا يكون هناك تحقيق في مقتل صدّام حسين؟. الدور جاي عليكم كلكم». فبدا القذّافي في كلامه التقريعي وكأنّه خائف من المصير المشابه لمصير صدّام الذي ينتظره هو، لا القادة العرب. فكان مُنْتَظَراً غيرَ مَهْدِي.
لكن منذ متى حُدّد المصير الصدّامي الصِدامي؟ ومن حدّد هذا المصير؟ وكيف ساهم القذّافي في رسم لوحة «المصير»؟ وأين كانت البداية؟.
إذا كان فكّ أو رفع الحصار عن الجماهيرية والذي تمّ بوساطة مشتركة لعب فيها الرئيس الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا دوراً محورياً إلى جانب الأمير عبد الله بن عبد العزيز ممثّلاً بالأمير بندر بن سلطان سفير المملكة لدى واشنطن، وهو الرفع الذي تمّ على أساس تحمُّل الجماهيرية مسؤوليتها عن تفجير طائرة البانام الأميركية، والذي حصل نتيجة سنوات من التفاوض مع الولايات المتحدة عبر بريطانيا، ثم مباشرة مع الولايات المتحدة، دفعت ليبيا بموجب ذلك تعويضات كبيرة لضحايا لوكربي، فإنّ فكّ ليبيا لعقد ترسانتها وبرامجها في أسلحة الدمار الشامل كانت الخطوة التي أحدثت المفاجأة المدوِّية في مختلف الأروقة الدولية من فيينا حيث مقرّ وكالة الطاقة الذرية، والتي زار رئيسها محمد البرادعي طرابلس لهذه الغاية، إلى أوروبا والولايات المتحدة، التي لم يكن أمامهما سوى كيل المديح للقذّافي على هذه الخطوة غير المسبوقة عالمياً. إنّها الخطوة التي بدت وكأنّها ضمن أجندة التفاوض لإنهاء ملف لوكربي ورفع الحصار، وهي الخطوة التي من شأنّها أنْ فتحت ليبيا على عالم جديد، حيث كثر الكلام المتصاعد من كل مكان عن عودة هذه الدولة المارقة والراعية للإرهاب إلى المجتمع الدولي ومن أوسع أبوابه وأشرعها.
وهكذا، دخل المجتمع الدولي ليبيا من باب التنمية والإستثمارات والشركات متعدّدة الجنسيات والعابرة للقارات، فكلها يمّمت وجهها شطر ليبيا لاهثة وراء النفط والمشروعات الإقتصادية الأخرى خصوصاً في مجالات الطرق والمقاولات، طبعاً من دون أنْ ننسى عودة السفارات الأجنبية والأميركية منها على وجه الخصوص.
كانت عملية التفاوض بين الجماهيرية والولايات المتحدة عملية صعبة ومعقدة ومتواصلة، وكان ثمة لجنة ليبية سياسية أمنية (مكوّنة من عبد الرحمن شلقم أمين الخارجية، وموسى كوسى رئيس جهاز الأمن الخارجي، وعبد الله السنوسي رئيس الإستخبارات العسكرية)، عهد إليها القذّافي وتحت إشرافه مهمّة هذا الحوار الصعب والمعقّد حتى وصوله إلى النهايات المعروفة، أولاً لرفع الحصار وثانياً لعودة ليبيا إلى عباءة الجماعة الدولية.
إنّها العودة التي كان لا بدّ لها من بطل يستثمر فيها للإطلال على مرحلة جديدة من ليبيا منفتحة على عالم جديد. فكان المهندس سيف الإسلام القذّافي النجل الثاني للزعيم الليبي هو ذاك البطل الذي أفصحت التقارير الغربية الإعلامية والديبلوماسية عن دوره المركزي في الوصول إلى النهايات الحاسمة لهذا الملف الشائك. فإذا كان القذّافي الأب، قد سبّب لليبيا والليبيين كل هذه المتاعب من الحصار والعدوان وخلافه، فإنّ القذّافي الإبن، كان رأسَ جسر العبور من مرحلة الحصار إلى مرحلة الإنفتاح.
هكذا تواطأ كل من الإعلام الغربي والليبي وبعض النفاق السياسي على تظهير هذه الصورة الإنقاذية لسيف الإسلام، لكنّها الصورة التي عبّدت له الأرضية المناسبة كي يطل بأفكاره حول الإصلاح والشفافية والتنمية والتطوير على الليبيين، تلك الأفكار التي يلهج بها الليبيون بأصواتهم الهامسة. ولقد كانت وعود سيف الإسلام غزيرة، وبرامجه اكثر من طموحة، وأفكاره جريئة، فهي الأفكار التي يصعب على الليبيين هضمها دفعة واحدة. إذن سيف الإسلام كأبيه، حرق المراحل، فالجرعات كانت كافية لقتله سياسياً. فمن يقف وراءها، ليدسّ السمّ في العسل!.
كبُر نشاط سيف الإسلام، وكبُرت أهدافه مع استهدافاته، ثم راح على طريقة الإنتشاء بالجرأة يبالغ بهذه الأهداف، لتطال حتى أعمدة خيمة والده. فأخذ اللسان الليبي يتحدث عن فرز في المجتمع الليبي بين تيار الإصلاحيين بقيادة سيف الإسلام وتيار الحرس القديم المحسوب على والده إنّه الفرز الذي أدّى إلى كثير من التناقض بين المعسكرين.
الشباب الليبي.. هو القوّة البشرية التي اعتمد عليها سيف الإسلام في إقلاع قطار مشروعه، مشحوناً بخزّان كبير من العطايا والتقديمات الماديّة للشباب الذين أخذوا ينتظمون في مؤسّسات سيف الإسلام أدرك سيف الإسلام إذن أنّه على طرفي نقيض مع جماعة والده، وأنّه لا بد من الإنفتاح على شرائح المجتمع كافة خصوصاً المعارضة منها، وذلك وسط مطالبة غربية ضجّت بها الإشاعات المنطلقة من أجواء الحرس القديم.
لكنّ طموح أبو السيوف كبُر ليشمل تدخّله في تشكيلة اللجنة الشعبية العامة (أي الحكومة الليبية) وتسمية بعض الأمناء (الوزراء) فيها وصولاً إلى تسمية رئيسها، إنّه الدكتور شكري غانم. وهكذا أصبح تيّار سيف الإسلام يتوزّع السلطة والخدمات من خلال الوزراء الذين سُمّوا عن تيار ليبيا الغد.
وجد سيف الإسلام في ترؤسه لفريق حلّ مشكلة لوكربي وما تبعها من انفتاح ليبيا على الغرب وانفتاح الغرب على ليبيا، أكثر من ضرورة كي يشمل الحوار والإنفتاح هذان «الجماعات المسلّحة الليبية» ليكتمل عقد اللحمة الوطنية الداخلية، فكان أنْ بدأ حواراً مع تلك الجماعات حول العالم وخصوصاً المعتقلين منهم في الداخل، وقد أسفر هذا الحوار مع الجماعة الليبية المقاتلة (أي القاعدة الليبية) عن قيام الجماعات هذه بمراجعات وتقويم ونقد لتجربتها السابقة ومنها رفع السلاح ضد الدولة والخروج على الحاكم، وقد صدرت هذه المراجعات التي تضمّنت تقديم اعتذارات واضحة من العقيد معمّر القذّافي والدولة الليبية وتعهدت بالإندماج في المجتمع وعدم حمل السلاح ضد الدولة مرّة أخرى.
وتولّى الشيخ علي الصلّابي ـــــ الذي عاد بدوره إلى ليبيا من الخارج وأصبح له برامج تلفزيونية دينية ـــــ نشر هذه المراجعات بتشجيع من سيف الإسلام القذّافي، في خطوة سبقت الإفراج التدرُّجي عنهم، وأعقبها إجراء مصالحة مع الدولة، وتمّ دفع التعويضات المالية اللازمة لهم عن فترات اعتقالهم، وكذلك تمّ دفع التعويض المالي لذوي ضحايا سجن أبوسليم، في خطوة تقبّلها أهالي سجن أبوسليم وتهدف إلى طيّ صفحة الماضي الأليم على الجميع.
وقد سبق الحوار مع الإسلاميين ومراجعاتهم والإفراج عنهم والتعويض عليهم، تصدّي سيف الإسلام لملفّ متّصل منفصل بملف الإسلاميين، وهو ملف حقوق أصحاب الممتلكات التي تمّت مصادرتها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وهو ملفّ حسّاس ولّد نقمة على حكم القذّافي طوال أكثر من ثلاثة عقود، وتمّ لهذا الغرض تشكيل لجنة إعادة الممتلكات وأيضاً التعويض على أصحابها.
في الحقيقة، بدت المعالجات التي أدّاها سيف الإسلام، أشبه بالعَصَا السحرية، فهي مواضيع وملفات كان الكلام فيها وحولها يعتبر من المحرّمات والخطوط الحمراء. لكنّها الملفّات التي عكست ارتياحاً بالغاً في الشارع الليبي الذي أخذ يقتنع أنّه أمام مرحلة جديدة بالفعل، وأنّ ليبيا جديدة ستولد من جديد. وما عزّز من هذه الإنطباعات في الشارع الليبي، هو إقدام سيف الإسلام على استجلاب واستحضار معظم رموز المعارضة الليبية، وخصوصاً الإخوان المسلمين من الخارج أو أولئك القابعين في منازلهم، ومنهم من يمتلك كفاءات علمية وتخصّصات تحتاجها ليبيا سيف الإسلام، أكثر من أيّ وقت مضى.
اتّضحت الصورة.. فالإدارة الليبية الجديدة أضحت، وبفعل سيف الإسلام وحمايته المباشرة، تضجّ بالدماء الجديدة، السائلة سابقاً عكس جدول نظام والده، فكان أنْ عهد بالمجلس الوطني للتطوير الإقتصادي للدكتور محمود جبريل، الذي عاد وسمّاه وزيراً في الحكومة، كأمين لمجلس التخطيط الوطني، كما أصبح علي الصلّابي أشبه بالمفتي العام للديار الليبية، ثم قيامه بإسناد إدارة شركة الغد والتي تمتلك قنوات تلفزيونية وصحفاً ومجلاتٍ ومواقعَ إلكترونية والتي شكّلت عدّة شغل سيف الإسلام في مشروعه «ليبيا الغد» للإعلامي الاخواني سليمان دوغة لقد عمل سيف الإسلام بكل ثقله على تثبيت الدماء الجديدة؛ دماء المعارضين الإسلاميين والليبراليين وغيرهم، في شرايين الإدارة الليبية، على حساب من يُسمّون بالحرس القديم من أجهزة النظام التقليدية وحركة اللجان الثورية التي أقُصي العديد من رموزها من مواقع حسّاسة وهامة لصالح المعارضة وسط اندفاعة سيف الإسلام الحارقة للمراحل، وللأخضر واليابس، لطيّ ما يمكن تسميته بالمرحلة المؤلمة، بدا المثل الذي يقول: «أتى بالدبّ إلى كرمه» ينطبق عليه بصورة كبيرة، فهو لم يُجْرِ مصالحة مع المعارضة فحسب، ولم يخرجْها من السجون الداخلية والخارجية فحسب، بل إنّه أمدّها بتعويضات مالية هامة، كما وفّر لها العمل، فاستفادت من وضعها الجديد ومن الإمكانات التي وفّرها سيف الإسلام، للإعداد لمشروعها هي، وليس لمشروعه هو.
المصدر : http://alichendeb.blogspot.com/2013/03/1969_31.html
.. هنا ينتهي الشكّ والشكل معاً، ليأتي المضمون بمفعوله المتطرِّف هذه المرّة فيتشابه إلى حدٍ كبير مع شخصية القذّافي المتطرّفة في مواقفها ووقفاتها؛ إنّه الموعد غير المنتظر مع قمّة دمشق. في هذه القمّة ألقى الزعيم الليبي خطاباً قال فيه وسط سخرية وضحك المؤتمرين بأنّ أميركا قد توافق على اغتيال القادة العرب في يوم ما، تماماً كما فعلت مع صدّام حسين الذي شُنق وسط لامبالاة الجامعة العربية والقادة العرب. «لماذا لا يكون هناك تحقيق في مقتل صدّام حسين؟. الدور جاي عليكم كلكم». فبدا القذّافي في كلامه التقريعي وكأنّه خائف من المصير المشابه لمصير صدّام الذي ينتظره هو، لا القادة العرب. فكان مُنْتَظَراً غيرَ مَهْدِي.
لكن منذ متى حُدّد المصير الصدّامي الصِدامي؟ ومن حدّد هذا المصير؟ وكيف ساهم القذّافي في رسم لوحة «المصير»؟ وأين كانت البداية؟.
إذا كان فكّ أو رفع الحصار عن الجماهيرية والذي تمّ بوساطة مشتركة لعب فيها الرئيس الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا دوراً محورياً إلى جانب الأمير عبد الله بن عبد العزيز ممثّلاً بالأمير بندر بن سلطان سفير المملكة لدى واشنطن، وهو الرفع الذي تمّ على أساس تحمُّل الجماهيرية مسؤوليتها عن تفجير طائرة البانام الأميركية، والذي حصل نتيجة سنوات من التفاوض مع الولايات المتحدة عبر بريطانيا، ثم مباشرة مع الولايات المتحدة، دفعت ليبيا بموجب ذلك تعويضات كبيرة لضحايا لوكربي، فإنّ فكّ ليبيا لعقد ترسانتها وبرامجها في أسلحة الدمار الشامل كانت الخطوة التي أحدثت المفاجأة المدوِّية في مختلف الأروقة الدولية من فيينا حيث مقرّ وكالة الطاقة الذرية، والتي زار رئيسها محمد البرادعي طرابلس لهذه الغاية، إلى أوروبا والولايات المتحدة، التي لم يكن أمامهما سوى كيل المديح للقذّافي على هذه الخطوة غير المسبوقة عالمياً. إنّها الخطوة التي بدت وكأنّها ضمن أجندة التفاوض لإنهاء ملف لوكربي ورفع الحصار، وهي الخطوة التي من شأنّها أنْ فتحت ليبيا على عالم جديد، حيث كثر الكلام المتصاعد من كل مكان عن عودة هذه الدولة المارقة والراعية للإرهاب إلى المجتمع الدولي ومن أوسع أبوابه وأشرعها.
وهكذا، دخل المجتمع الدولي ليبيا من باب التنمية والإستثمارات والشركات متعدّدة الجنسيات والعابرة للقارات، فكلها يمّمت وجهها شطر ليبيا لاهثة وراء النفط والمشروعات الإقتصادية الأخرى خصوصاً في مجالات الطرق والمقاولات، طبعاً من دون أنْ ننسى عودة السفارات الأجنبية والأميركية منها على وجه الخصوص.
كانت عملية التفاوض بين الجماهيرية والولايات المتحدة عملية صعبة ومعقدة ومتواصلة، وكان ثمة لجنة ليبية سياسية أمنية (مكوّنة من عبد الرحمن شلقم أمين الخارجية، وموسى كوسى رئيس جهاز الأمن الخارجي، وعبد الله السنوسي رئيس الإستخبارات العسكرية)، عهد إليها القذّافي وتحت إشرافه مهمّة هذا الحوار الصعب والمعقّد حتى وصوله إلى النهايات المعروفة، أولاً لرفع الحصار وثانياً لعودة ليبيا إلى عباءة الجماعة الدولية.
إنّها العودة التي كان لا بدّ لها من بطل يستثمر فيها للإطلال على مرحلة جديدة من ليبيا منفتحة على عالم جديد. فكان المهندس سيف الإسلام القذّافي النجل الثاني للزعيم الليبي هو ذاك البطل الذي أفصحت التقارير الغربية الإعلامية والديبلوماسية عن دوره المركزي في الوصول إلى النهايات الحاسمة لهذا الملف الشائك. فإذا كان القذّافي الأب، قد سبّب لليبيا والليبيين كل هذه المتاعب من الحصار والعدوان وخلافه، فإنّ القذّافي الإبن، كان رأسَ جسر العبور من مرحلة الحصار إلى مرحلة الإنفتاح.
هكذا تواطأ كل من الإعلام الغربي والليبي وبعض النفاق السياسي على تظهير هذه الصورة الإنقاذية لسيف الإسلام، لكنّها الصورة التي عبّدت له الأرضية المناسبة كي يطل بأفكاره حول الإصلاح والشفافية والتنمية والتطوير على الليبيين، تلك الأفكار التي يلهج بها الليبيون بأصواتهم الهامسة. ولقد كانت وعود سيف الإسلام غزيرة، وبرامجه اكثر من طموحة، وأفكاره جريئة، فهي الأفكار التي يصعب على الليبيين هضمها دفعة واحدة. إذن سيف الإسلام كأبيه، حرق المراحل، فالجرعات كانت كافية لقتله سياسياً. فمن يقف وراءها، ليدسّ السمّ في العسل!.
كبُر نشاط سيف الإسلام، وكبُرت أهدافه مع استهدافاته، ثم راح على طريقة الإنتشاء بالجرأة يبالغ بهذه الأهداف، لتطال حتى أعمدة خيمة والده. فأخذ اللسان الليبي يتحدث عن فرز في المجتمع الليبي بين تيار الإصلاحيين بقيادة سيف الإسلام وتيار الحرس القديم المحسوب على والده إنّه الفرز الذي أدّى إلى كثير من التناقض بين المعسكرين.
الشباب الليبي.. هو القوّة البشرية التي اعتمد عليها سيف الإسلام في إقلاع قطار مشروعه، مشحوناً بخزّان كبير من العطايا والتقديمات الماديّة للشباب الذين أخذوا ينتظمون في مؤسّسات سيف الإسلام أدرك سيف الإسلام إذن أنّه على طرفي نقيض مع جماعة والده، وأنّه لا بد من الإنفتاح على شرائح المجتمع كافة خصوصاً المعارضة منها، وذلك وسط مطالبة غربية ضجّت بها الإشاعات المنطلقة من أجواء الحرس القديم.
لكنّ طموح أبو السيوف كبُر ليشمل تدخّله في تشكيلة اللجنة الشعبية العامة (أي الحكومة الليبية) وتسمية بعض الأمناء (الوزراء) فيها وصولاً إلى تسمية رئيسها، إنّه الدكتور شكري غانم. وهكذا أصبح تيّار سيف الإسلام يتوزّع السلطة والخدمات من خلال الوزراء الذين سُمّوا عن تيار ليبيا الغد.
وجد سيف الإسلام في ترؤسه لفريق حلّ مشكلة لوكربي وما تبعها من انفتاح ليبيا على الغرب وانفتاح الغرب على ليبيا، أكثر من ضرورة كي يشمل الحوار والإنفتاح هذان «الجماعات المسلّحة الليبية» ليكتمل عقد اللحمة الوطنية الداخلية، فكان أنْ بدأ حواراً مع تلك الجماعات حول العالم وخصوصاً المعتقلين منهم في الداخل، وقد أسفر هذا الحوار مع الجماعة الليبية المقاتلة (أي القاعدة الليبية) عن قيام الجماعات هذه بمراجعات وتقويم ونقد لتجربتها السابقة ومنها رفع السلاح ضد الدولة والخروج على الحاكم، وقد صدرت هذه المراجعات التي تضمّنت تقديم اعتذارات واضحة من العقيد معمّر القذّافي والدولة الليبية وتعهدت بالإندماج في المجتمع وعدم حمل السلاح ضد الدولة مرّة أخرى.
وتولّى الشيخ علي الصلّابي ـــــ الذي عاد بدوره إلى ليبيا من الخارج وأصبح له برامج تلفزيونية دينية ـــــ نشر هذه المراجعات بتشجيع من سيف الإسلام القذّافي، في خطوة سبقت الإفراج التدرُّجي عنهم، وأعقبها إجراء مصالحة مع الدولة، وتمّ دفع التعويضات المالية اللازمة لهم عن فترات اعتقالهم، وكذلك تمّ دفع التعويض المالي لذوي ضحايا سجن أبوسليم، في خطوة تقبّلها أهالي سجن أبوسليم وتهدف إلى طيّ صفحة الماضي الأليم على الجميع.
وقد سبق الحوار مع الإسلاميين ومراجعاتهم والإفراج عنهم والتعويض عليهم، تصدّي سيف الإسلام لملفّ متّصل منفصل بملف الإسلاميين، وهو ملف حقوق أصحاب الممتلكات التي تمّت مصادرتها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وهو ملفّ حسّاس ولّد نقمة على حكم القذّافي طوال أكثر من ثلاثة عقود، وتمّ لهذا الغرض تشكيل لجنة إعادة الممتلكات وأيضاً التعويض على أصحابها.
في الحقيقة، بدت المعالجات التي أدّاها سيف الإسلام، أشبه بالعَصَا السحرية، فهي مواضيع وملفات كان الكلام فيها وحولها يعتبر من المحرّمات والخطوط الحمراء. لكنّها الملفّات التي عكست ارتياحاً بالغاً في الشارع الليبي الذي أخذ يقتنع أنّه أمام مرحلة جديدة بالفعل، وأنّ ليبيا جديدة ستولد من جديد. وما عزّز من هذه الإنطباعات في الشارع الليبي، هو إقدام سيف الإسلام على استجلاب واستحضار معظم رموز المعارضة الليبية، وخصوصاً الإخوان المسلمين من الخارج أو أولئك القابعين في منازلهم، ومنهم من يمتلك كفاءات علمية وتخصّصات تحتاجها ليبيا سيف الإسلام، أكثر من أيّ وقت مضى.
اتّضحت الصورة.. فالإدارة الليبية الجديدة أضحت، وبفعل سيف الإسلام وحمايته المباشرة، تضجّ بالدماء الجديدة، السائلة سابقاً عكس جدول نظام والده، فكان أنْ عهد بالمجلس الوطني للتطوير الإقتصادي للدكتور محمود جبريل، الذي عاد وسمّاه وزيراً في الحكومة، كأمين لمجلس التخطيط الوطني، كما أصبح علي الصلّابي أشبه بالمفتي العام للديار الليبية، ثم قيامه بإسناد إدارة شركة الغد والتي تمتلك قنوات تلفزيونية وصحفاً ومجلاتٍ ومواقعَ إلكترونية والتي شكّلت عدّة شغل سيف الإسلام في مشروعه «ليبيا الغد» للإعلامي الاخواني سليمان دوغة لقد عمل سيف الإسلام بكل ثقله على تثبيت الدماء الجديدة؛ دماء المعارضين الإسلاميين والليبراليين وغيرهم، في شرايين الإدارة الليبية، على حساب من يُسمّون بالحرس القديم من أجهزة النظام التقليدية وحركة اللجان الثورية التي أقُصي العديد من رموزها من مواقع حسّاسة وهامة لصالح المعارضة وسط اندفاعة سيف الإسلام الحارقة للمراحل، وللأخضر واليابس، لطيّ ما يمكن تسميته بالمرحلة المؤلمة، بدا المثل الذي يقول: «أتى بالدبّ إلى كرمه» ينطبق عليه بصورة كبيرة، فهو لم يُجْرِ مصالحة مع المعارضة فحسب، ولم يخرجْها من السجون الداخلية والخارجية فحسب، بل إنّه أمدّها بتعويضات مالية هامة، كما وفّر لها العمل، فاستفادت من وضعها الجديد ومن الإمكانات التي وفّرها سيف الإسلام، للإعداد لمشروعها هي، وليس لمشروعه هو.
المصدر : http://alichendeb.blogspot.com/2013/03/1969_31.html
الأحد مايو 31, 2015 3:20 pm من طرف الفارس الفارس
» الإتحاد الأوربي و ليبيا
الأحد مايو 31, 2015 3:15 pm من طرف الفارس الفارس
» مدينة سرت الليبية و الجفرة و مناطق الوسط تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش )
الأحد مايو 31, 2015 3:02 pm من طرف الفارس الفارس
» سرت و نقص البنزين
السبت مايو 16, 2015 2:28 pm من طرف الفارس الفارس
» حديث اخضر اللثام للمنظمات الحقوقية عن مايحدث في طرابلس و ورشفانة
الخميس أبريل 30, 2015 8:24 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء أبريل 29, 2015 7:54 am من طرف عائشة القذافي
» بقلم الأستاذ : هشام عراب .
الأربعاء مارس 18, 2015 10:43 am من طرف عائشة القذافي
» نبوءة القذافي يحقّقها آل فبراير، ويقرّ بها العالم ،،
الأربعاء مارس 04, 2015 8:53 pm من طرف عائشة القذافي
» توفيق عكاشة يهدد التنظيم و يطالب أهالي سرت بعدم الذهاب للجامعة
الثلاثاء مارس 03, 2015 10:34 pm من طرف عائشة القذافي
» منظمة ضحايا لحقوق الانسان Victims Organization for Human Rights
الأربعاء يناير 21, 2015 8:49 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء يناير 21, 2015 8:30 am من طرف عائشة القذافي
» معمر القذافي علي قيد الحياة بالدليل القاطع
الإثنين ديسمبر 08, 2014 8:24 pm من طرف الفارس الفارس