القذّافي ولعبة النار
إنّ كل ما تقدّم في سياق الحديث عن مسيرة سيف الإسلام القذّافي وانطلاقته التي جاءت في سرعةالبرق لا بد أنْ يستوقفها سؤال جِدُّ مهم يُلحّ في طرح نفسه وهو: هل كان مشروع سيف الإسلام هو فعلاً مشروع سيف الإسلام أم مشروع العقيد عبر سيف الإسلام، وتالياً؛ ما هي المرامي التي كان يستهدفها الزعيم الليبي من وراء مشروع سيف الإسلام؟.
من المفيد إعادة التأكيد على أنّ المهندس سيف الإسلام القذّافي استولد مشروعه السياسي من رحم قضية لوكربي لرفع الحصار عن دولة أبيه، مع كل الإرتدادات الإيجابية التي انعكست على الشارع الليبي. ومن المهم التأكيد بأنّ خطاب سيف الإسلام لم يكن البتّة؛ لا نسخة عن خطاب أبيه ولا حتى مشابهاً له.
لقد كان خطاب سيف الإسلام ليبياً بامتياز، وكان كلامه عن ليبيا والليبيين ورفاهيتهم وسعادتهم ونهضتهم وانتشالهم وإنقاذهم ونجدتهم وحقهم المشروع في العيش الكريم مقروناً ببعض الأعمال والإنجازات والعطاءات، قد وفّر له سمعةً حسنةً بين الليبيين. وهو، ومن خلال فريق العمل الذي «أُحيط» به، تمكّن من الإحاطة بمعظم الشردات السلبية التي اتّسم بها حكم والده العقيد، فقدّم نفسه كإنسان علمي يعتمد نوعاً من المنهجية والدراسات والتخطيط بعيداً عن الإرتجال في البرامج وتنفيذها. وبذلك كان سيف الإسلام ضمن هذا السياق بمثابة الصوت الأعلى في موضوع حرية الإعلام والصحافة وتحريرها من سلطة الرقيب الرسمي، حيث دخلت، وبمساعٍ منه، مطبوعات عربية وأجنبية إلى ليبيا لم تكن تعرفها أكشاك ومكتبات الجماهيرية منناعشرات السنين.
وبذلك ايضاً؛ كان منطقياً أنْ يوجِّه سيف الاسلام نقداً قاسياً ولاذعاً للإعلام الرسمي بسبب قصوره عن مواكبة العصر والتحديات، فخاض تجربة تأسيس «قناة الليبية» فضلاً عن صحيفتي «قورينا» و«أويا»، وأنشأ مختلف المواقع الإلكترونية، وتحوّلت «مؤسّسة القذّافي العالمية للجمعيات الخيرية» التي يترأسّها إلى نوع من الإدارة الرديفة للدولة الليبية في بعض الملفّات والقضايا، مثل قضية أطفال بنغازي المصابين بالإيدز. وطوّر قطاع الشباب ، فتحوّلت «المنظمة الوطنية للشباب الليبي» التي يترأسّها أيضاً إلى إطار فاعل في المجتمع الليبي، كما تواصل مع الإعلام العالمي ونظّم لمختلف الشبكات الأجنبية زيارات إلى ليبيا بهدف الإطلاع على التطور الحاصل في مرحلة ما بعد رفع الحصار عنها.
وبهذه الطريقة، أصبح سيف الإسلام ومشروعُه يتقدّمان بخطوات حثيثة داخل الأرض الليبية، لكنّه المشروع الذي أحدث تناقضاً بين سيف الإسلام و مشروعه الإصلاحي من جهة وبين الحرس الثوري وثورييه المتمسّكين بسلطة الشعب وبمصالحهم أيضاً، من جهة أخري وإذا ما سلّمنا جدلاً أنّه كان هناك «مثابة» اتفاق بين الأب والإبن على التوريث، لكن يبدو أنّ هذا الاتفاق لم يضع الآلية المناسبة لتأمين عملية الانتقال المطلوبة، ففيما يعتبر معمّر القذّافي بأنّ مكانته لدى الليبيين قد تسمح له بتسويق نجله سيف الإسلام، فإنّ هذا الأخير أعلن مراراً رفضه التوريث، لا بل إنّه قرّر الإعتكاف عن الشأن السياسي ذات يوم، لكنه الإعتكاف الذي أراده سيف الإسلام ان يكون تكتيكاً أو وسيلة ضغط عبّرت عنه بعض المظاهرات الشبابية حول ليبيا للمطالبة به. وانه الإعتكاف الذي له أسبابه وحيثياته المباشرة والجوهرية والتي سنتعرّض لها في الأسطر اللّاحقة.
وعلى أيّة حال، فإذا كان سيف الإسلام يرفض التوريث ويدعم رفضه بالإعتكاف، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا كان يفعل سيف الإسلام كل تلك السنوات وإلى ماذا كان يرنو ويتطلع؟.
ممّا لا شكّ فيه أنّ سيف الإسلام، شأنه شأن أيّ إنسان طامح على وجه المعمورة، يريد السلطة، لكنّه لا يريد لتخريجتها أنْ تكون على طريقة والده، فهو يريد أنْ يختاره الليبيون وينتخبوه بقناعتهم وبملء إرادتهم، بمعنى آخر هو يريد أنْ يأتي كسيف الإسلام، بجدارتهئ وليس بمونة أو بتزكية أبيه له بين الليبيين. غير أنّ استحقاق الإنتخاب غير معمول به في ظل نظام سلطة الشعب، وهو نظام بلا رئيس. لكنّنا كنّا قد سمعنا وعلمنا أنّ ثمة تعديلات جوهرية على قوانين كانت مطروحة على مؤتمر الشعب العام بعدما أُشبعت درساً من رجال القانون، وحصل نوع من التفاهم الواسع على تغيير في الأنظمة يقرِّر شكل الحكم الذي يريده الليبيون؛ وهو التعديل الذي لم يبصر النور. لكن لماذا لم يبصر النور؟ هل لأنّ النور في مكان آخر، أم ماذا؟ سنري.
هناك من قال بأنّ المسألة مرتبطة بعثرات وصعاب. فــــ «إذا كان سيف الإسلام إبنك البيولوجي، فأنا إبنك الإيديولوجي»، إنّها العبارة أو المقولة التي قيلت للزعيم الليبي والتي تحولت شعاراً بين ثوريي الحرس القديم، وهي العبارة التي ساهمت في رفع مستوى التحدّي والنقاش بين الإصلاحيين والثوريين، وهو النقاش الذي فُهم عبره متأخراً، بأنّ سيف الإسلام كان بــــ «مثابة» الممرّ الإجباري لليبيا في هذه المرحلة الإنتقالية، وكان هو بأفكاره، الأفضل لمحاكاة الغرب ومغازلته وطمأنته، وإنّه لا يمكن للدولة الليبية وقائدها أنْ يسيروا باتجاه ترفضه الجماهير الشعبية أهمّه التخلي عن نظام الجماهيرية وسلطة الشعب.. أيّة سلطة وأيّ شعب!.
طبعاً هذه القراءة ـــــ الواقع، المبسّطة والجديرة في آن معاً، تضعنا أمام البحث عن حقيقتين: الأولى عن حقيقة مشروع سيف الإسلام الذي انتهى بعد مخاض من الحراك إلى أنْ يكون أشبه بالمناورة، والثانية عن حقيقة ما يريده معمّر القذّافي حقيقة وواقعاً وأرضاً. أمّا ما أراده معمّر القذّافي من حقيقة مشروع سيف الإسلام بطروحاته الجديدة وآرائه الجريئة، فهو الكشف عن حجم الإستقطاب والتأييد الذي تلاقيه وتحصده هذه الأطروحات والآراء، وبالتالي الكشف عن القوى الجديدة التي قد تنغرس في إطار هذا المشروع وحقيقة استهدافاتها وأهدافها.
وقد لخّص أحد المقرّبين من الخيمة مشروع سيف الإسلام بعبارة تعكس إلى حد كبير رأي الزعيم الليبي: «إنّ مشروع سيف الإسلام هو عبارة عن إسفنجة تستوعب كافة التناقضات وتمتّص كافة النقمات وتحتضن كافة الظواهر، وإنّ ثمّة فرزاً تجريه القيادة وتراقبه عن قرب وخصوصاً تلك العناصر التي كانت مصنّفة ضمن دائرة العداء للدولة».
والحقيقة أنّ هناك أكثر من سبب جوهري كان يدفع بالزعيم الليبي إلى كشف المستور، كشف حقيقة مواقف الناس من شخص العقيد، فهل هي تؤيّده حبّاً أم كرهاً، قناعة أم نفاقاً، وكشف حقيقة موقف الناس من نظام الجماهيرية حيث يقول الناس بأنّه لا بديل عن سلطة الشعب.
كان العقيد القذّافي وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من ثورة الفاتح، ومن كل التحوّلات التي عصفت ببلاده، مهتمّاً بمعرفة حقيقة الناس وكنههم وخباياهم، فهل السكوت كان علامة الرضى أم علامة الخوف؛ وهل ما زال الليبيون كما عرفهم منذ سبعينات القرن الماضي؟
كانت أسئلة القذّافي في محلّها. وأمام كل مفصل سياسي دولي خصوصاً في ظلّ تهديد خارجي، كان القذّافي يرى الشعب الليبي ملتحماً بثورته وملتفّاً حوله.
لقد ذهبت شكوك القذّافي إلى حدّها الأقصى، أمّا هو فذهب إلى الرقص على حدّ سيف. لقد تحوّلت أسئلته وشكوكه إلى مصدر قلق شخصي له، فجمع كل الهواجس المقلقة والمخاطر المحتملة والمحاذير المرتقبة وما لا يخطر ببال بشر من سموم واقعية أو محتملة أو مفترضة، جمعها كلها ونسّقها ورتّبها، وفي توقيت جدّ مفصلي وحسّاس تحوّلت إلى ما يشبه العمود الفقري لمشروع نجله الثاني سيف الإسلام، الذي تقدّم بها إلى الملأ.
وهنا حصل الفرز، فصعب على الناس أنّ تجمع بين نقيضين، فكيف تجمع الناس بين الدستور في مشروع سيف الإسلام واللادستور في جماهيرية العقيد؛ وكيف تجمع الناس، بين الرئيس في مشروع سيف الإسلام، وبين نظام الجماهيرية الــــ «بلا» رئيس؛ وكيف تجمع الناس بين حرية الصحافة والتعبير والإعلام في مشروع سيف الإسلام، والصحافة الموّحدة والإعلام الموجّه في النظام الجماهيري؛ وكيف تجمع الناس بين انتخاب مجلس نيابي في مشروع سيف الإسلام وبين التمثيل تدجيل في سلطة الشعب؛ وكيف تجمع الناس بين تعدّد الأحزاب في مشروع سيف الإسلام وبين «من تحزّب خان» في الكتاب الأخضر؛ وكيف تجمع الناس بين النقيض والنقيض، فسيف الإسلام ووالده نقيضان لا يجمع بينهما إلّا الأبوة والبنوّة، فقط وفقط لا غير. وهذا غيضٌ من فيض صور التمايز لا بل التناقض الصارخ بين مشروع سيف الإسلام ووالده، بل لا يوجد أي شبه بين الإثنين على الإطلاق.
لكنّ الأحداث دلّت وأكدت بأنّ سيف الإسلام إبن أبيه، ثمّ!.
ثم، بعد ذلك تنطلق الأسئلة الصعبة؛ هل أنّ شخصاً مثل معمّر القذّافي أفنى عمره في النضال من أجل تثبيت فلسفة جديدة في الحكم، وظلّ لآخر لحظة يؤكّد على التمسّك بها بوصفها حلّا لمشاكل البشرية، أنْ يُقدم على هذا الإنتحار السياسي القاتل ويشطب بجرّة قلم واحدة كل ذلك التاريخ الطويل والمضني من المقارعات والمحاججات الفكرية والحوارات المباشرة أو المتلفزة مع المفكرين والسّاسة وأهل الصحافة حتى ينتهي به المطاف ليتراجع عن كل ما بناه من أجل أنْ لا يُورِّث ابنه إلّا حكماً يقوم في الأساس على أنقاض حصون الجماهيرية ومرتكزاتها المختلفة؟.
وهل أنّ شخصاً مثل معمّر القذّافي، المهجوس بالتاريخ والمسكون فيه لأبعد مدى، يقبل في قرارة نفسه أنْ يُسجّل عليه أنّه حوّل الشعب الليبي إلى مختبر لنزواته الفكرية وهلوساته في ممارسة سلطة يدّعي أّنّه لا يمارسها؟.
باختصار أكثر من عنيف، تدلّ الوقائع المعروضة على أنّ القذّافي ومن خلال مشروع سيف الإسلام قد وضع السمّ في العسل، والحقّ يُقال أنّ كميّة السمّ كانت مركّزة ومكثّفة إلى درجة اختفاء العسل، ولدرجة اصبح القِدْرُ ممتلئاً بالسمّ فقط، وهو السمّ الذي أكله طابخوه، رحم الله أبو عمار.
فهل إنّ ما يحتاجه القائد هو صناعة الكلمة التي تدينه ومن صلبه، أم أنّ لدى العقيد مشروعاً حقيقياً آخر، وما هو هذا المشروع ومن هو بطله؟.
المصدر : http://alichendeb.blogspot.com/2013/03/1969_31.html
من المفيد إعادة التأكيد على أنّ المهندس سيف الإسلام القذّافي استولد مشروعه السياسي من رحم قضية لوكربي لرفع الحصار عن دولة أبيه، مع كل الإرتدادات الإيجابية التي انعكست على الشارع الليبي. ومن المهم التأكيد بأنّ خطاب سيف الإسلام لم يكن البتّة؛ لا نسخة عن خطاب أبيه ولا حتى مشابهاً له.
لقد كان خطاب سيف الإسلام ليبياً بامتياز، وكان كلامه عن ليبيا والليبيين ورفاهيتهم وسعادتهم ونهضتهم وانتشالهم وإنقاذهم ونجدتهم وحقهم المشروع في العيش الكريم مقروناً ببعض الأعمال والإنجازات والعطاءات، قد وفّر له سمعةً حسنةً بين الليبيين. وهو، ومن خلال فريق العمل الذي «أُحيط» به، تمكّن من الإحاطة بمعظم الشردات السلبية التي اتّسم بها حكم والده العقيد، فقدّم نفسه كإنسان علمي يعتمد نوعاً من المنهجية والدراسات والتخطيط بعيداً عن الإرتجال في البرامج وتنفيذها. وبذلك كان سيف الإسلام ضمن هذا السياق بمثابة الصوت الأعلى في موضوع حرية الإعلام والصحافة وتحريرها من سلطة الرقيب الرسمي، حيث دخلت، وبمساعٍ منه، مطبوعات عربية وأجنبية إلى ليبيا لم تكن تعرفها أكشاك ومكتبات الجماهيرية منناعشرات السنين.
وبذلك ايضاً؛ كان منطقياً أنْ يوجِّه سيف الاسلام نقداً قاسياً ولاذعاً للإعلام الرسمي بسبب قصوره عن مواكبة العصر والتحديات، فخاض تجربة تأسيس «قناة الليبية» فضلاً عن صحيفتي «قورينا» و«أويا»، وأنشأ مختلف المواقع الإلكترونية، وتحوّلت «مؤسّسة القذّافي العالمية للجمعيات الخيرية» التي يترأسّها إلى نوع من الإدارة الرديفة للدولة الليبية في بعض الملفّات والقضايا، مثل قضية أطفال بنغازي المصابين بالإيدز. وطوّر قطاع الشباب ، فتحوّلت «المنظمة الوطنية للشباب الليبي» التي يترأسّها أيضاً إلى إطار فاعل في المجتمع الليبي، كما تواصل مع الإعلام العالمي ونظّم لمختلف الشبكات الأجنبية زيارات إلى ليبيا بهدف الإطلاع على التطور الحاصل في مرحلة ما بعد رفع الحصار عنها.
وبهذه الطريقة، أصبح سيف الإسلام ومشروعُه يتقدّمان بخطوات حثيثة داخل الأرض الليبية، لكنّه المشروع الذي أحدث تناقضاً بين سيف الإسلام و مشروعه الإصلاحي من جهة وبين الحرس الثوري وثورييه المتمسّكين بسلطة الشعب وبمصالحهم أيضاً، من جهة أخري وإذا ما سلّمنا جدلاً أنّه كان هناك «مثابة» اتفاق بين الأب والإبن على التوريث، لكن يبدو أنّ هذا الاتفاق لم يضع الآلية المناسبة لتأمين عملية الانتقال المطلوبة، ففيما يعتبر معمّر القذّافي بأنّ مكانته لدى الليبيين قد تسمح له بتسويق نجله سيف الإسلام، فإنّ هذا الأخير أعلن مراراً رفضه التوريث، لا بل إنّه قرّر الإعتكاف عن الشأن السياسي ذات يوم، لكنه الإعتكاف الذي أراده سيف الإسلام ان يكون تكتيكاً أو وسيلة ضغط عبّرت عنه بعض المظاهرات الشبابية حول ليبيا للمطالبة به. وانه الإعتكاف الذي له أسبابه وحيثياته المباشرة والجوهرية والتي سنتعرّض لها في الأسطر اللّاحقة.
وعلى أيّة حال، فإذا كان سيف الإسلام يرفض التوريث ويدعم رفضه بالإعتكاف، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا كان يفعل سيف الإسلام كل تلك السنوات وإلى ماذا كان يرنو ويتطلع؟.
ممّا لا شكّ فيه أنّ سيف الإسلام، شأنه شأن أيّ إنسان طامح على وجه المعمورة، يريد السلطة، لكنّه لا يريد لتخريجتها أنْ تكون على طريقة والده، فهو يريد أنْ يختاره الليبيون وينتخبوه بقناعتهم وبملء إرادتهم، بمعنى آخر هو يريد أنْ يأتي كسيف الإسلام، بجدارتهئ وليس بمونة أو بتزكية أبيه له بين الليبيين. غير أنّ استحقاق الإنتخاب غير معمول به في ظل نظام سلطة الشعب، وهو نظام بلا رئيس. لكنّنا كنّا قد سمعنا وعلمنا أنّ ثمة تعديلات جوهرية على قوانين كانت مطروحة على مؤتمر الشعب العام بعدما أُشبعت درساً من رجال القانون، وحصل نوع من التفاهم الواسع على تغيير في الأنظمة يقرِّر شكل الحكم الذي يريده الليبيون؛ وهو التعديل الذي لم يبصر النور. لكن لماذا لم يبصر النور؟ هل لأنّ النور في مكان آخر، أم ماذا؟ سنري.
هناك من قال بأنّ المسألة مرتبطة بعثرات وصعاب. فــــ «إذا كان سيف الإسلام إبنك البيولوجي، فأنا إبنك الإيديولوجي»، إنّها العبارة أو المقولة التي قيلت للزعيم الليبي والتي تحولت شعاراً بين ثوريي الحرس القديم، وهي العبارة التي ساهمت في رفع مستوى التحدّي والنقاش بين الإصلاحيين والثوريين، وهو النقاش الذي فُهم عبره متأخراً، بأنّ سيف الإسلام كان بــــ «مثابة» الممرّ الإجباري لليبيا في هذه المرحلة الإنتقالية، وكان هو بأفكاره، الأفضل لمحاكاة الغرب ومغازلته وطمأنته، وإنّه لا يمكن للدولة الليبية وقائدها أنْ يسيروا باتجاه ترفضه الجماهير الشعبية أهمّه التخلي عن نظام الجماهيرية وسلطة الشعب.. أيّة سلطة وأيّ شعب!.
طبعاً هذه القراءة ـــــ الواقع، المبسّطة والجديرة في آن معاً، تضعنا أمام البحث عن حقيقتين: الأولى عن حقيقة مشروع سيف الإسلام الذي انتهى بعد مخاض من الحراك إلى أنْ يكون أشبه بالمناورة، والثانية عن حقيقة ما يريده معمّر القذّافي حقيقة وواقعاً وأرضاً. أمّا ما أراده معمّر القذّافي من حقيقة مشروع سيف الإسلام بطروحاته الجديدة وآرائه الجريئة، فهو الكشف عن حجم الإستقطاب والتأييد الذي تلاقيه وتحصده هذه الأطروحات والآراء، وبالتالي الكشف عن القوى الجديدة التي قد تنغرس في إطار هذا المشروع وحقيقة استهدافاتها وأهدافها.
وقد لخّص أحد المقرّبين من الخيمة مشروع سيف الإسلام بعبارة تعكس إلى حد كبير رأي الزعيم الليبي: «إنّ مشروع سيف الإسلام هو عبارة عن إسفنجة تستوعب كافة التناقضات وتمتّص كافة النقمات وتحتضن كافة الظواهر، وإنّ ثمّة فرزاً تجريه القيادة وتراقبه عن قرب وخصوصاً تلك العناصر التي كانت مصنّفة ضمن دائرة العداء للدولة».
والحقيقة أنّ هناك أكثر من سبب جوهري كان يدفع بالزعيم الليبي إلى كشف المستور، كشف حقيقة مواقف الناس من شخص العقيد، فهل هي تؤيّده حبّاً أم كرهاً، قناعة أم نفاقاً، وكشف حقيقة موقف الناس من نظام الجماهيرية حيث يقول الناس بأنّه لا بديل عن سلطة الشعب.
كان العقيد القذّافي وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من ثورة الفاتح، ومن كل التحوّلات التي عصفت ببلاده، مهتمّاً بمعرفة حقيقة الناس وكنههم وخباياهم، فهل السكوت كان علامة الرضى أم علامة الخوف؛ وهل ما زال الليبيون كما عرفهم منذ سبعينات القرن الماضي؟
كانت أسئلة القذّافي في محلّها. وأمام كل مفصل سياسي دولي خصوصاً في ظلّ تهديد خارجي، كان القذّافي يرى الشعب الليبي ملتحماً بثورته وملتفّاً حوله.
لقد ذهبت شكوك القذّافي إلى حدّها الأقصى، أمّا هو فذهب إلى الرقص على حدّ سيف. لقد تحوّلت أسئلته وشكوكه إلى مصدر قلق شخصي له، فجمع كل الهواجس المقلقة والمخاطر المحتملة والمحاذير المرتقبة وما لا يخطر ببال بشر من سموم واقعية أو محتملة أو مفترضة، جمعها كلها ونسّقها ورتّبها، وفي توقيت جدّ مفصلي وحسّاس تحوّلت إلى ما يشبه العمود الفقري لمشروع نجله الثاني سيف الإسلام، الذي تقدّم بها إلى الملأ.
وهنا حصل الفرز، فصعب على الناس أنّ تجمع بين نقيضين، فكيف تجمع الناس بين الدستور في مشروع سيف الإسلام واللادستور في جماهيرية العقيد؛ وكيف تجمع الناس، بين الرئيس في مشروع سيف الإسلام، وبين نظام الجماهيرية الــــ «بلا» رئيس؛ وكيف تجمع الناس بين حرية الصحافة والتعبير والإعلام في مشروع سيف الإسلام، والصحافة الموّحدة والإعلام الموجّه في النظام الجماهيري؛ وكيف تجمع الناس بين انتخاب مجلس نيابي في مشروع سيف الإسلام وبين التمثيل تدجيل في سلطة الشعب؛ وكيف تجمع الناس بين تعدّد الأحزاب في مشروع سيف الإسلام وبين «من تحزّب خان» في الكتاب الأخضر؛ وكيف تجمع الناس بين النقيض والنقيض، فسيف الإسلام ووالده نقيضان لا يجمع بينهما إلّا الأبوة والبنوّة، فقط وفقط لا غير. وهذا غيضٌ من فيض صور التمايز لا بل التناقض الصارخ بين مشروع سيف الإسلام ووالده، بل لا يوجد أي شبه بين الإثنين على الإطلاق.
لكنّ الأحداث دلّت وأكدت بأنّ سيف الإسلام إبن أبيه، ثمّ!.
ثم، بعد ذلك تنطلق الأسئلة الصعبة؛ هل أنّ شخصاً مثل معمّر القذّافي أفنى عمره في النضال من أجل تثبيت فلسفة جديدة في الحكم، وظلّ لآخر لحظة يؤكّد على التمسّك بها بوصفها حلّا لمشاكل البشرية، أنْ يُقدم على هذا الإنتحار السياسي القاتل ويشطب بجرّة قلم واحدة كل ذلك التاريخ الطويل والمضني من المقارعات والمحاججات الفكرية والحوارات المباشرة أو المتلفزة مع المفكرين والسّاسة وأهل الصحافة حتى ينتهي به المطاف ليتراجع عن كل ما بناه من أجل أنْ لا يُورِّث ابنه إلّا حكماً يقوم في الأساس على أنقاض حصون الجماهيرية ومرتكزاتها المختلفة؟.
وهل أنّ شخصاً مثل معمّر القذّافي، المهجوس بالتاريخ والمسكون فيه لأبعد مدى، يقبل في قرارة نفسه أنْ يُسجّل عليه أنّه حوّل الشعب الليبي إلى مختبر لنزواته الفكرية وهلوساته في ممارسة سلطة يدّعي أّنّه لا يمارسها؟.
باختصار أكثر من عنيف، تدلّ الوقائع المعروضة على أنّ القذّافي ومن خلال مشروع سيف الإسلام قد وضع السمّ في العسل، والحقّ يُقال أنّ كميّة السمّ كانت مركّزة ومكثّفة إلى درجة اختفاء العسل، ولدرجة اصبح القِدْرُ ممتلئاً بالسمّ فقط، وهو السمّ الذي أكله طابخوه، رحم الله أبو عمار.
فهل إنّ ما يحتاجه القائد هو صناعة الكلمة التي تدينه ومن صلبه، أم أنّ لدى العقيد مشروعاً حقيقياً آخر، وما هو هذا المشروع ومن هو بطله؟.
المصدر : http://alichendeb.blogspot.com/2013/03/1969_31.html
الأحد مايو 31, 2015 3:20 pm من طرف الفارس الفارس
» الإتحاد الأوربي و ليبيا
الأحد مايو 31, 2015 3:15 pm من طرف الفارس الفارس
» مدينة سرت الليبية و الجفرة و مناطق الوسط تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش )
الأحد مايو 31, 2015 3:02 pm من طرف الفارس الفارس
» سرت و نقص البنزين
السبت مايو 16, 2015 2:28 pm من طرف الفارس الفارس
» حديث اخضر اللثام للمنظمات الحقوقية عن مايحدث في طرابلس و ورشفانة
الخميس أبريل 30, 2015 8:24 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء أبريل 29, 2015 7:54 am من طرف عائشة القذافي
» بقلم الأستاذ : هشام عراب .
الأربعاء مارس 18, 2015 10:43 am من طرف عائشة القذافي
» نبوءة القذافي يحقّقها آل فبراير، ويقرّ بها العالم ،،
الأربعاء مارس 04, 2015 8:53 pm من طرف عائشة القذافي
» توفيق عكاشة يهدد التنظيم و يطالب أهالي سرت بعدم الذهاب للجامعة
الثلاثاء مارس 03, 2015 10:34 pm من طرف عائشة القذافي
» منظمة ضحايا لحقوق الانسان Victims Organization for Human Rights
الأربعاء يناير 21, 2015 8:49 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء يناير 21, 2015 8:30 am من طرف عائشة القذافي
» معمر القذافي علي قيد الحياة بالدليل القاطع
الإثنين ديسمبر 08, 2014 8:24 pm من طرف الفارس الفارس