عندما يقاتل القذّافي بسلطة الشعب
إنّ عدول القذّافي عن القيام بأيّ فعل أو إجراء من الإجراءات المتساءَل حولها، خصوصاً النفطية منها، هو عدول شكّل بحدّ ذاته نقطة قوّة أرادها القذّافي أنْ تكون في رصيده ليقول من خلاله وخلالها إنّه قادرٌ على الفعل لكنّه اختار العدول المؤقت فهو ما زال قويّاً ويملك من الأوراق ما يجعله يؤجِّل اللجوء إلى لعبة تُسمّى في علم الطبّ «آخر الدواء الكي»، لا بل إنّ القذّافي سخّر جزءاً كبيراً من قوّاته العسكرية تناوب على قيادتها المعتصم والخميس لحماية حقول النفط ومنشآتها وجَعْلِها أو إبقائها تحت قبضته، وما خيضت ملحمة البريقة إلّا لأجل ذلك، وكأنّما القذّافي مَرْحَلَ معركته، فطالما أنّ القدرة العسكرية ما زالت متوفِّرة، فاللجوء إلى الخيارات الأخرى سابقٌ لأوانه، وهي القدرة التي تدفعنا للسرد المفصّل وغير المعلوم من قبل لمُرتكزات قوّة القذّافي العسكرية.
وبموازاة المُرتكزات العسكرية للقذّافي، كان هناك المُرتكز الشعبي الذي عوّل عليه القذّافي أشدّ تعويل؛ إنّه التعويل الذي افتقده المُطاح بهما زين العابدين بن علي وحسني مبارك، فاعتبارات كثيرة وجوهرية حتّمت تمتُّع القذّافي بثقل شعبي واسع على امتداد الجماهيرية، أهمّها الإعتبار القبلي الذي عزف القذّافي على أوتاره طيلة أربعة عقود من الزمن، إستثمر فيه القذّافي خلال معركته مع الحلف الأطلسي وتجلّى ذلك بشكل كبير في «الملتقى الوطني لأعيان ومشائخ القبائل الليبية» الذي ضمّ أكثر من ألفي شخصية يُعتبرون بعين الجميع من وجهاء وأعيان القبائل الليبية، وهو الملتقى الذي عكس وأثبت امتلاك الزعيم الليبي لشرعية شعبية كافية للإدعاء بالزعامة وكافية في ظلّ عدم انصهار الثوار وما يمثّلون شعبياً في بوتقة تنظيمية واحدة للإدعاء أيضاً أنّه الممثّل الأكبر لليبيين، سيّما أنّ الأحداث والتطورات التي أعقبت غياب القذّافي عن المشهد الليبي قد أكّدت بدورها أنّ الصراع بين حلفاء الضرورة والأمس أكبر بكثير من صراعهم مع القذّافي.
وإلى جانب مؤتمر القبائل الليبية، فإنّ المظاهرات والحراكات الشعبية شبه اليوميّة التي كانت تشهدها مدن الجماهيرية والتي تجاوزت الحشود في إحداها المليون ونصف المليون متظاهر تحت سماء طرابلس المحتلة بطيران الناتو والتي كان يتخّذ منها الزعيم الليبي منصّة لإطلاق مختلف المواقف والتواصل مع جماهيره، قد عكست من خلال ضخامة حشودها أنّ القدم الشعبي للقذّافي لم تنكسر.
وإذا كان النسيج الإجتماعي الليبي يتشكّل من مجموع قبلي، فإنّ القذّافي بشخصه كانت له قبيلة أخرى غير قبيلة القذاذفة؛ وهذه القبيلة وإنْ عمد البعض إلى تقزيمها من خلال اختصار شعبية القذّافي بحاشية ما، لكنّ العدوّ قبل الصديق يدرك جيداً ولو لم يعترف، بأنّ «قبيلة معمّر» ينضوي تحت رايتها الكثير من الشباب والرجال والنساء المنتمين في الأصل إلى قبائل وعائلات وأسر مختلفة.
وإذا ما قرأنا المشهد الحربي في ليبيا بعيداً عن تدخّل الناتو، بمعنى آخر؛ إذا ما نحّينا جانباً حقيقةَ ومسلّمةَ أنّ الناتو كان الطرف الأوّل والأفعل في المعركة ضد القذّافي، وقرأنا هذا المشهد من زاويته الليبية المحض، أيّ كتائب أمنية عسكرية موالية للقذّافي تتقاتل مع مجموعات مسلّحة مناهضة له، فالمشهد الذي برز أمامنا طيلة مرحلة الحرب هو: «حرب مدن ضدّ مدن، فبني وليد وسرت والعجيلات وتاورغاء وسبها والجنوب عامة وزليتن فضلاً عن طرابلس»، هي مدن ما تمتّعت بشهرتها الإعلامية إلّا لأنّها كانت بسوادها الأعظم مدناً موالية للقذّافي. وفي المقابل فإنّ مدناً كبنغازي والزاوية ومصراتة والزنتان التي لها ألف قصة وقصة، هي مدن ما تمتّعت أيضاً بشهرتها الإعلامية، إلّا لكونها كانت مناهضة بسوادها الأعظم للزعيم الليبي.
ما نودّ أنْ نقوله هو أنّ هذا التناقض والتصادم المُدُني وانقسامه بين مؤيّد ومعارض، إنْ دلّ على شيء فإنّما يدلّ في الأساس على أنّ الشعب الليبي كان منقسماً بين مؤيد للقذّافي ومعارض له.
وإذا كان كلٌ من زين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح قد اقتصرت مساحة نفوذهم ومنذ بداية الأحداث على دوائر ضيّقة، فإنّ هذا الواقع ما انطبق لحظة على معمّر القذّافي، فحتّى طرابلس بقيت تحت سيطرته حتى أيّام الحرب الأخيرة، وستثبت الأحداث التي سنسرد استشرافاتنا حولها أنّ طرابلس وحتى كتابة هذه الأسطر لم تسقط شعبياً، وإنّما خيانةً وغزواً، ولمن يريد أنْ يعرف فإنّ ثوار سوق الجمعة الحيّ شبه الوحيد المعروف بمناهضته للقذّافي ما كان لهم أنْ يدخلوا الساحة الخضراء لولا التعبيد الناري الآتي من الخارج، وخصوصاً من تاجوراء ومصراتة والزنتان الذين تفيّؤوا ظلال القوّة النارية للأباتشي ومقاتلات الناتو. بمعنى أدقّ، يُمكنْ الجزم بأنّ طرابلس قد غُزيت من خارجها وليس من داخلها، وذلك بشهادة أبناء وأهالي منطقتي أبوسليم والهضبة الذين يُشكِّلون الكتلة البشرية الأكبر في أحياء ومناطق العاصمة الليبية والذين رغم مغادرة القذّافي طرابلس إلى سرت، ورغم دخول ثوار مصراتة والزنتان إلى باب العزيزية، ظلّوا يقاتلون السكّان الجدد الذين عندما أيقنوا عجزهم في إخضاع الآلاف من أبناء الهضبة وأبوسليم أخبروا الناتو بأنّ معركة طرابلس لم تنتهِ بعد، فحلّق هذا الأخير فوق طرابلس ليدكّ منطقتي أبو سليم والهضبة.
ويبقى السؤال: إذا كان شباب ورجال أبوسليم والهضبة هم من منعوا السقوط الأول لطرابلس في أيدي الثوار، يوم قيل أنّ القذّافي هرب إلى فنزويلا، فهل سيُعيدون الكرّة بعد أنْ يُعيدوا تنظيم صفوفهم، فيحولوا دون بقاء الغرباء في مدينتهم؟.
المصدر http://alichendeb.blogspot.com/
إنّ عدول القذّافي عن القيام بأيّ فعل أو إجراء من الإجراءات المتساءَل حولها، خصوصاً النفطية منها، هو عدول شكّل بحدّ ذاته نقطة قوّة أرادها القذّافي أنْ تكون في رصيده ليقول من خلاله وخلالها إنّه قادرٌ على الفعل لكنّه اختار العدول المؤقت فهو ما زال قويّاً ويملك من الأوراق ما يجعله يؤجِّل اللجوء إلى لعبة تُسمّى في علم الطبّ «آخر الدواء الكي»، لا بل إنّ القذّافي سخّر جزءاً كبيراً من قوّاته العسكرية تناوب على قيادتها المعتصم والخميس لحماية حقول النفط ومنشآتها وجَعْلِها أو إبقائها تحت قبضته، وما خيضت ملحمة البريقة إلّا لأجل ذلك، وكأنّما القذّافي مَرْحَلَ معركته، فطالما أنّ القدرة العسكرية ما زالت متوفِّرة، فاللجوء إلى الخيارات الأخرى سابقٌ لأوانه، وهي القدرة التي تدفعنا للسرد المفصّل وغير المعلوم من قبل لمُرتكزات قوّة القذّافي العسكرية.
وبموازاة المُرتكزات العسكرية للقذّافي، كان هناك المُرتكز الشعبي الذي عوّل عليه القذّافي أشدّ تعويل؛ إنّه التعويل الذي افتقده المُطاح بهما زين العابدين بن علي وحسني مبارك، فاعتبارات كثيرة وجوهرية حتّمت تمتُّع القذّافي بثقل شعبي واسع على امتداد الجماهيرية، أهمّها الإعتبار القبلي الذي عزف القذّافي على أوتاره طيلة أربعة عقود من الزمن، إستثمر فيه القذّافي خلال معركته مع الحلف الأطلسي وتجلّى ذلك بشكل كبير في «الملتقى الوطني لأعيان ومشائخ القبائل الليبية» الذي ضمّ أكثر من ألفي شخصية يُعتبرون بعين الجميع من وجهاء وأعيان القبائل الليبية، وهو الملتقى الذي عكس وأثبت امتلاك الزعيم الليبي لشرعية شعبية كافية للإدعاء بالزعامة وكافية في ظلّ عدم انصهار الثوار وما يمثّلون شعبياً في بوتقة تنظيمية واحدة للإدعاء أيضاً أنّه الممثّل الأكبر لليبيين، سيّما أنّ الأحداث والتطورات التي أعقبت غياب القذّافي عن المشهد الليبي قد أكّدت بدورها أنّ الصراع بين حلفاء الضرورة والأمس أكبر بكثير من صراعهم مع القذّافي.
وإلى جانب مؤتمر القبائل الليبية، فإنّ المظاهرات والحراكات الشعبية شبه اليوميّة التي كانت تشهدها مدن الجماهيرية والتي تجاوزت الحشود في إحداها المليون ونصف المليون متظاهر تحت سماء طرابلس المحتلة بطيران الناتو والتي كان يتخّذ منها الزعيم الليبي منصّة لإطلاق مختلف المواقف والتواصل مع جماهيره، قد عكست من خلال ضخامة حشودها أنّ القدم الشعبي للقذّافي لم تنكسر.
وإذا كان النسيج الإجتماعي الليبي يتشكّل من مجموع قبلي، فإنّ القذّافي بشخصه كانت له قبيلة أخرى غير قبيلة القذاذفة؛ وهذه القبيلة وإنْ عمد البعض إلى تقزيمها من خلال اختصار شعبية القذّافي بحاشية ما، لكنّ العدوّ قبل الصديق يدرك جيداً ولو لم يعترف، بأنّ «قبيلة معمّر» ينضوي تحت رايتها الكثير من الشباب والرجال والنساء المنتمين في الأصل إلى قبائل وعائلات وأسر مختلفة.
وإذا ما قرأنا المشهد الحربي في ليبيا بعيداً عن تدخّل الناتو، بمعنى آخر؛ إذا ما نحّينا جانباً حقيقةَ ومسلّمةَ أنّ الناتو كان الطرف الأوّل والأفعل في المعركة ضد القذّافي، وقرأنا هذا المشهد من زاويته الليبية المحض، أيّ كتائب أمنية عسكرية موالية للقذّافي تتقاتل مع مجموعات مسلّحة مناهضة له، فالمشهد الذي برز أمامنا طيلة مرحلة الحرب هو: «حرب مدن ضدّ مدن، فبني وليد وسرت والعجيلات وتاورغاء وسبها والجنوب عامة وزليتن فضلاً عن طرابلس»، هي مدن ما تمتّعت بشهرتها الإعلامية إلّا لأنّها كانت بسوادها الأعظم مدناً موالية للقذّافي. وفي المقابل فإنّ مدناً كبنغازي والزاوية ومصراتة والزنتان التي لها ألف قصة وقصة، هي مدن ما تمتّعت أيضاً بشهرتها الإعلامية، إلّا لكونها كانت مناهضة بسوادها الأعظم للزعيم الليبي.
ما نودّ أنْ نقوله هو أنّ هذا التناقض والتصادم المُدُني وانقسامه بين مؤيّد ومعارض، إنْ دلّ على شيء فإنّما يدلّ في الأساس على أنّ الشعب الليبي كان منقسماً بين مؤيد للقذّافي ومعارض له.
وإذا كان كلٌ من زين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح قد اقتصرت مساحة نفوذهم ومنذ بداية الأحداث على دوائر ضيّقة، فإنّ هذا الواقع ما انطبق لحظة على معمّر القذّافي، فحتّى طرابلس بقيت تحت سيطرته حتى أيّام الحرب الأخيرة، وستثبت الأحداث التي سنسرد استشرافاتنا حولها أنّ طرابلس وحتى كتابة هذه الأسطر لم تسقط شعبياً، وإنّما خيانةً وغزواً، ولمن يريد أنْ يعرف فإنّ ثوار سوق الجمعة الحيّ شبه الوحيد المعروف بمناهضته للقذّافي ما كان لهم أنْ يدخلوا الساحة الخضراء لولا التعبيد الناري الآتي من الخارج، وخصوصاً من تاجوراء ومصراتة والزنتان الذين تفيّؤوا ظلال القوّة النارية للأباتشي ومقاتلات الناتو. بمعنى أدقّ، يُمكنْ الجزم بأنّ طرابلس قد غُزيت من خارجها وليس من داخلها، وذلك بشهادة أبناء وأهالي منطقتي أبوسليم والهضبة الذين يُشكِّلون الكتلة البشرية الأكبر في أحياء ومناطق العاصمة الليبية والذين رغم مغادرة القذّافي طرابلس إلى سرت، ورغم دخول ثوار مصراتة والزنتان إلى باب العزيزية، ظلّوا يقاتلون السكّان الجدد الذين عندما أيقنوا عجزهم في إخضاع الآلاف من أبناء الهضبة وأبوسليم أخبروا الناتو بأنّ معركة طرابلس لم تنتهِ بعد، فحلّق هذا الأخير فوق طرابلس ليدكّ منطقتي أبو سليم والهضبة.
ويبقى السؤال: إذا كان شباب ورجال أبوسليم والهضبة هم من منعوا السقوط الأول لطرابلس في أيدي الثوار، يوم قيل أنّ القذّافي هرب إلى فنزويلا، فهل سيُعيدون الكرّة بعد أنْ يُعيدوا تنظيم صفوفهم، فيحولوا دون بقاء الغرباء في مدينتهم؟.
المصدر http://alichendeb.blogspot.com/
الأحد مايو 31, 2015 3:20 pm من طرف الفارس الفارس
» الإتحاد الأوربي و ليبيا
الأحد مايو 31, 2015 3:15 pm من طرف الفارس الفارس
» مدينة سرت الليبية و الجفرة و مناطق الوسط تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش )
الأحد مايو 31, 2015 3:02 pm من طرف الفارس الفارس
» سرت و نقص البنزين
السبت مايو 16, 2015 2:28 pm من طرف الفارس الفارس
» حديث اخضر اللثام للمنظمات الحقوقية عن مايحدث في طرابلس و ورشفانة
الخميس أبريل 30, 2015 8:24 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء أبريل 29, 2015 7:54 am من طرف عائشة القذافي
» بقلم الأستاذ : هشام عراب .
الأربعاء مارس 18, 2015 10:43 am من طرف عائشة القذافي
» نبوءة القذافي يحقّقها آل فبراير، ويقرّ بها العالم ،،
الأربعاء مارس 04, 2015 8:53 pm من طرف عائشة القذافي
» توفيق عكاشة يهدد التنظيم و يطالب أهالي سرت بعدم الذهاب للجامعة
الثلاثاء مارس 03, 2015 10:34 pm من طرف عائشة القذافي
» منظمة ضحايا لحقوق الانسان Victims Organization for Human Rights
الأربعاء يناير 21, 2015 8:49 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء يناير 21, 2015 8:30 am من طرف عائشة القذافي
» معمر القذافي علي قيد الحياة بالدليل القاطع
الإثنين ديسمبر 08, 2014 8:24 pm من طرف الفارس الفارس