الجمل- جوريان ميسن- ترجمة: د. مالك سلمان:
في محاضرة حديثة ألقاها في "مدرسة فورد", علق وزير الخارجية الأمريكية السابق هنري كيسنجر على الوضع الراهن في سوريا, معبراً عن رغبته في رؤية سوريا مقسمة و مبلقنة بعد أن كانت موحدة تحت حكم الأسد:
"هناك ثلاثة احتمالات ممكنة. انتصار الأسد. انتصار "السنة". أو نتيجة تتفق معها القوميات المختلفة على التعايش معاً ولكن في مناطق مستقلة, بحيث لا يمكن لها أن تقمع بعضها البعض. هذه هي النتيجة التي أحب أن أراها. و لكن هذه ليست النظرة الشائعة."
بعد تقديمه من قبل الرئيس بصفته "المبجل الدكتور كيسنجر", بدأ رجل السياسة المحنك البالغ من العمر 90 عاماً درساً ممتعاً في التاريخ. قدم كيسنجر عرضاً مفصلاً يبين فيه كيف تم تصميم الدولة السورية الحالية من قبل القوى الأوروبية, كما حدث في حالة دولة العراق المجاورة:
"أولاً, سوريا ليست دولة تاريخية. فقد تم خلقها في شكلها الحالي بهدف تسهيل السيطرة على البلد من قبل فرنسا, بناءً على قرار انتداب من الأمم المتحدة. كما تم إعطاء العراق المجاورة شكلاً غريباً يسهل سيطرة إنكلترا عليها. كما تم تصميم كلا البلدين لعرقلة سيطرة أي منهما على المنطقة."
نتيجة لجذور سوريا غير التاريخية, يقول كيسنجر, تم تصميم سوريا كوحدة قومية مصطنعة مكونة من قبائل ومجموعات إثنية مختلفة. و مع تطور "الثورة" الأخيرة إلى نوع من الفوضى, يعلق كيسنجر على طبيعة الوضع الراهن:
"في الصحافة الأمريكية يتم وصفه على أنه نزاع بين الديمقراطية والدكتاتور – حيث يقوم الدكتاتور بقتل شعبه, و علينا أن نعاقبَه. و لكن هذا ليس الذي يحدث بالفعل. من المحتمل أن بعض الديمقراطيين قد أشعلوا هذا النزاع. لكنه, بشكل عام, نزاع إثني و طائفي."
"إنها الآن حرب أهلية بين مجموعات طائفية," تابع كيسنجر قائلاً. "و علي أن أقول إننا لم نفهم الوضع منذ البداية. إذا قرأتم صحافتنا تجدون أنهم يقولون: علينا أن نتخلص من الأسد. و إذا تخلصنا من الأسد, عندها نقوم بتشكيل حكومة ائتلافية. لكن هذا غير ممكن. أنا أفضل التخلص من الأسد, لكن الخلاف بيننا و بين الروس هو أن الروس يقولون: أنت لا تبدؤون بمحاولة التخلص من الأسد, فهذا ليس هدفكم الرئيسي, بل بتحطيم إدارة الدولة و سوف يؤدي ذلك إلى ما حصل في العراق – أي لن يبقى هناك شيء يحافظ على وحدة الدولة. و من ثم ستكون هناك حرب أهلية أسوأ بكثير. هكذا وصلنا إلى هذه الفوضى الحالية."
كان كيسنجر قد علق سابقاً على رغبته في تقسيم الدول المناوئة للولايات المتحدة إلى أجزاءَ صغيرة, حيث تعمل الفوضى الناشئة على تسهيل إدخالها في النظام الكوني. و هذه هي, من الناحية الجوهرية, قاعدة "فرق تسد". و تتسق تعليقات كيسنجر الأخيرة هذه مع تصريحاته السابقة التي يروج فيها لفكرة استغلال الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات الاجتماعية الجماهيرية كوسيلة لتوحيد الأمم (بما في ذلك الولايات المتحدة, بالمناسبة) في "نظام عالمي".
"يجب أن تكون الولايات المتحدة جزأ من نظام دولي نخلقه داخلياً," قال كيسنجر ﻠ "هارفارد كريمزن" في سنة 2012. وعندما سئل عن أهم المشاكل التي تواجه المجتمعَ الأمريكي اليوم, أجاب كيسنجر آنذاك:
"دولياً, المشكلة هي أن هناك اضطرابات في كل مكان من العالم, لكن هذه الاضطرابات لا تتبع نفس الأسباب, لذلك على الولايات المتحدة أن تكون جزأ من نظام عالمي نقوم بخلقه داخلياً."
إن مفهومَ الهيمنة على الأزمات والاضطرابات, التي يمكن أن تختلف أسبابها من أمة إلى أخرى, بهدف إقامة نظام عالمي ينسجم بدقة مع القاعدة الذهبية للنخبة, أي أن أفضل طريقة لخلق نظام كوني هي من خلال الفوضى. وفوق ذلك, يقدم لنا كيسنجر لمحة عن الهدف الحقيقي الذي يصبو إليه هو وعصابته من المهندسين والبنائين, حيث يقول بعدة كلمات بضرورة الهيمنة على الاضطرابات المدنية – سواء كانت نتيجة لأوضاع اقتصادية, أو سياسية, أو اجتماعية – بهدف توحيد الأمم في "نظام عالمي" مرغوب.
في مقالة نشرت في كانون الأول/ديسمبر 2008 ("بريزنبلانيت دوت كوم"), ذكرَ أن كيسنجر, في مقابلة مع محبوب هؤلاء البنائين العالميين تشارلي روز, "أشار إلى الفوضى التي تعم العالم نتيجة الأزمة المالية وانتشار الإرهاب بصفتها فرصة لتشكيل نظام كوني جديد," كما كتب ستيفن واتسون.
"أعتقد أنه عندما تقوم الإدارة الجديدة بتقويم الموقف الذي ترى نفسها فيه, سوف ترى أزمة كبيرة ومشاكلَ هائلة, ولكن أعتقد أن بمقدورها أن ترى وميضَ أمل يمكنها من بناء نظام عالمي من هذه الفوضى," قال كيسنجر لروز قبل بضع سنوات.
* * *
هذا الحديث عن الأزمات والاضطرابات بصفتها مجرد وسيلة يستخدمها بلد معين آخر لتحقيق هدف كوني مركزي يمكن أن يشيرَ إلى خطة كامنة عابرة للقوميات – وهو مفهوم خبيث يتبع منهج الديالكتيك الهيغلي التقليدي, أي إن المشكلة (سواء كانت حقيقية أم مصطنعة) تخلق ردة فعل تسمح بدورها للنخبة بتقديم الحل على صحن من فضة. وقد خطر لي أن كلمات كيسنجر المشؤومة تستحضر ما كتبه ألكزاندَر ويندت من جامعة شيكاغو, الذي قال في سنة 2003 في أطروحته التي تحمل عنوان "ما الذي يجعل الدولة العالمية حتمية: الغائية ومنطق الفوضى":
"لم تنتهِ الصراعات القومية التي تهدف إلى تحقيق الذات القومية, ويمكن لدول جديدة – "فوضى جديدة" – أن تنشأ. ولكن مع أن مزيداً من التشظي هو بمثابة خطوة إلى الخلف, إلا أنه أيضاً شرط أساسي للتحرك نحو الأمام, بما أن استقرارَ كيان أكبر مرهون بالاعتراف بالفوارق. (...) ولذلك فإن بناء الدولة العالمية ممكن من خلال تشجيع الحركات القومية وليس قمعها."
يمكن لهذه الكلمات أن تلقي الضوءَ على الكلمات التي يقولها كيسنجر وزملاؤه القومجيون الكبار, حيث تكشف أنهم واعونَ جداً لحقيقة أن مجرد الدعوة إلى دولة عالمية لن تنجحَ في تحقيقها – حتى أنها يمكن أن تنتجَ ردَ فعل عكسياً إذا تم طرحها بشكل مباشر جداً – وأن الطريقة المثلى لتحقيق هذا الهدف نفسه هي من خلال تقسيم وبلقنة الدول القومية, سواء في الشرق أو الغرب, بهدف توحيد تلك الأجزاء فيما بعد في بنية كونية تتم تسميتها, عادة, بالنظام العالمي الجديد.
تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 27 حزيران/يونيو 2013"
حديث كيسنجر على اليوتيوب
الأحد مايو 31, 2015 3:20 pm من طرف الفارس الفارس
» الإتحاد الأوربي و ليبيا
الأحد مايو 31, 2015 3:15 pm من طرف الفارس الفارس
» مدينة سرت الليبية و الجفرة و مناطق الوسط تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش )
الأحد مايو 31, 2015 3:02 pm من طرف الفارس الفارس
» سرت و نقص البنزين
السبت مايو 16, 2015 2:28 pm من طرف الفارس الفارس
» حديث اخضر اللثام للمنظمات الحقوقية عن مايحدث في طرابلس و ورشفانة
الخميس أبريل 30, 2015 8:24 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء أبريل 29, 2015 7:54 am من طرف عائشة القذافي
» بقلم الأستاذ : هشام عراب .
الأربعاء مارس 18, 2015 10:43 am من طرف عائشة القذافي
» نبوءة القذافي يحقّقها آل فبراير، ويقرّ بها العالم ،،
الأربعاء مارس 04, 2015 8:53 pm من طرف عائشة القذافي
» توفيق عكاشة يهدد التنظيم و يطالب أهالي سرت بعدم الذهاب للجامعة
الثلاثاء مارس 03, 2015 10:34 pm من طرف عائشة القذافي
» منظمة ضحايا لحقوق الانسان Victims Organization for Human Rights
الأربعاء يناير 21, 2015 8:49 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء يناير 21, 2015 8:30 am من طرف عائشة القذافي
» معمر القذافي علي قيد الحياة بالدليل القاطع
الإثنين ديسمبر 08, 2014 8:24 pm من طرف الفارس الفارس