الدكتورة سالمة الشهيدة .. ومدينة "سرت" الذبيحة
رحم الله سالمة الصيد..
اغتالوها مثلما اغتالوا علماء العراق وأطبّاءه وأساتذته.. وأخشى أنّهم سيفعلون في ليبيا نفس الذي فعلوه في العراق بعد الاحتلال.. ورغم أنّ سالمة الصيد لم تكن سوى امرأة ليبيّة أرهقتها نواميس القبيلة ولاحقتها أجهزة السلطة، فإنّ حلف الناتو وعملاءه صنّفوها باعتبارها هدفا عسكريّا من شأنه -إن بقي حيّا- أن يهدّد المدنيّين، وهم الذين ادّعوا أنّهم جاؤوا لحمايتهم..
حفّ بمصرع هذه العالمة الليبيّة الجليلة كثير من الأقاويل الناشئة عن التباس المعطيات وتداخل التفاصيل، إلاّ أنّ رحيلها بهذا الشكل كان فاجعة حقيقيّة وخسارة كبرى لها ولأمّتها العربيّة. فلقد كانت أوّل طالب غير بريطانيّ يحصل على درجة الدكتوراه بامتياز من الجامعات البريطانيّة في تخصّص نادر وغير معروف لدى العرب هو علم الصيدلة النوويّة.. كان ذلك في وقت انسدّت فيه آفاق طلب العلم على الباحثين العرب عندما باشر الغرب خلال تسعينيّات القرن الماضي تنفيذ سياسته القاضية بحجب التخصّصات العلميّة الدقيقة عن الطلاّب العرب.. والمسلمين.
رفضت الدكتورة سالمة الصيد كلّ العروض المادّية والعلميّة التي قدّمتها لها الجامعات ومراكز البحث الغربيّة، وأصرّت على العودة إلى ليبيا..
وفي ليبيا كان مصرعها..
وقفت العالمة الصيد مع حقّ شعبها في الحريّة والكرامة والثورة على الاستبداد والفساد.. لكنّها بالمقابل رفضت وبإصرار تدخّل حلف الناتو في الشأن اللّيبيّ.. وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك عندما كشفت مبكّرا حقيقة الدور المشبوه الذي يقوم به الصحفيّ الفرنسيّ الصهيونيّ هنرى ليفي الذي زار ليبيا في فيفري الماضي والتقى في بنغازي بكلّ قيادات ما يسمّى بـ "المجلس الوطنيّ الانتقاليّ".
لم نسمع حتّى اليوم أصوات أولئك الذين كانوا يتباكوْن على أرواح المدنيّين في ليبيا..ولم نقرأ لهم ما يفيد أنّهم ضدّ اغتيال العلم والعلماء.. وضدّ ذبح المعرفة وقتل كلّ جميل في بلاد العرب. لم نسمع شيئا، ولا أظنّ أنّنا سنسمع لأنّ مهمّة أولئك الذين ملؤوا الدنيا صراخا وبكاء توقّفت عند قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي استباح ليبيا أرضا وشعبا وثروة.. وعلماء.
لم يحرّكهم اغتيال الدكتورة.. ولا احتلال ليبيا.. ولا حصار سرت وبني وليد.. ولن يحرّكهم..
لا سالمة الشهيدة.. ولا ليبيا الذبيحة.. ولا سرت المحاصَرة الدامية..
كيف يمكن أن يبرّر الناعقون بالأمس هذا الصمت المخجل إزاء ما يجري في سرت؟ وهل يريدون منّا أن نصدّق أنّ المدينة تشهد حرب شوارع بين "الثوّار" و"كتائب القذّافي"؟ وكيف لمدينة مهما علا شأنها أن تصمد كلّ هذا الوقت في وجه الآلة المتوحّشة لحلف الناتو الذي يقصف المدينة منذ ما يزيد عن الشهر والنصف؟ ومن أين لهؤلاء المدنيّين الذين لا يملكون سوى ما خزّنوه من غذاء وماء ودواء أن يواجهوا قوى الشرّ والظلام التي تقصفهم ليل نهار؟
لماذا يصمت الجميع وهم يشاهدون ويدركون يقينا حجم الدمار الذي يتركه القصف الجوّيّ الغربيّ لمدينة سرت؟ لماذا يتابعون ما يجري وكأنّهم يشاهدون شريطا سينمائيّا مشوّقا ينتظرون بلهفة نهايته السعيدة؟ ما الذي يجعلنا اليوم نصمّ آذاننا عمّا يحدث هناك وكأنّ الأمر لا يعنينا؟
إنّ ما يحدث في مدينة سرت الليبيّة الصابرة جريمة دوليّة مهما كانت المقاييس التي احتكمنا إليها، ومهما كانت الأدوات التي تنفّذها.. انقطع الماء والكهرباء وتهدّمت الدور فوق رؤوس ساكنيها.. وعزّ الرغيف حتّى أكل الناس القطط والكلاب..
بعد أن يفيق الكثيرون من سكرتهم سيتساءلون: من قتل الدكتورة سالمة الصيد؟ ومن ذبح مدينة سرت الصابرة المجاهدة؟ من الذي اغتال أستاذ الطاقة النوويّة بجامعة دمشق أوس خليل؟ ومن يقف خلف اغتيال أكثر من 500 عالم عراقي؟ ومن منّا نحن العرب تحديدا أسهم أو ساعد في تخريب مدننا واحتلالها ونهب ثرواتنا وتدمير ذاكرتنا؟ من؟ وكيف؟ ولماذا؟ لكن.. هل سينفع السؤال وقتها؟
عبد الكريم بن حميدة
المصدر : موقع كتاب من أجل الحرية
رحم الله سالمة الصيد..
اغتالوها مثلما اغتالوا علماء العراق وأطبّاءه وأساتذته.. وأخشى أنّهم سيفعلون في ليبيا نفس الذي فعلوه في العراق بعد الاحتلال.. ورغم أنّ سالمة الصيد لم تكن سوى امرأة ليبيّة أرهقتها نواميس القبيلة ولاحقتها أجهزة السلطة، فإنّ حلف الناتو وعملاءه صنّفوها باعتبارها هدفا عسكريّا من شأنه -إن بقي حيّا- أن يهدّد المدنيّين، وهم الذين ادّعوا أنّهم جاؤوا لحمايتهم..
حفّ بمصرع هذه العالمة الليبيّة الجليلة كثير من الأقاويل الناشئة عن التباس المعطيات وتداخل التفاصيل، إلاّ أنّ رحيلها بهذا الشكل كان فاجعة حقيقيّة وخسارة كبرى لها ولأمّتها العربيّة. فلقد كانت أوّل طالب غير بريطانيّ يحصل على درجة الدكتوراه بامتياز من الجامعات البريطانيّة في تخصّص نادر وغير معروف لدى العرب هو علم الصيدلة النوويّة.. كان ذلك في وقت انسدّت فيه آفاق طلب العلم على الباحثين العرب عندما باشر الغرب خلال تسعينيّات القرن الماضي تنفيذ سياسته القاضية بحجب التخصّصات العلميّة الدقيقة عن الطلاّب العرب.. والمسلمين.
رفضت الدكتورة سالمة الصيد كلّ العروض المادّية والعلميّة التي قدّمتها لها الجامعات ومراكز البحث الغربيّة، وأصرّت على العودة إلى ليبيا..
وفي ليبيا كان مصرعها..
وقفت العالمة الصيد مع حقّ شعبها في الحريّة والكرامة والثورة على الاستبداد والفساد.. لكنّها بالمقابل رفضت وبإصرار تدخّل حلف الناتو في الشأن اللّيبيّ.. وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك عندما كشفت مبكّرا حقيقة الدور المشبوه الذي يقوم به الصحفيّ الفرنسيّ الصهيونيّ هنرى ليفي الذي زار ليبيا في فيفري الماضي والتقى في بنغازي بكلّ قيادات ما يسمّى بـ "المجلس الوطنيّ الانتقاليّ".
لم نسمع حتّى اليوم أصوات أولئك الذين كانوا يتباكوْن على أرواح المدنيّين في ليبيا..ولم نقرأ لهم ما يفيد أنّهم ضدّ اغتيال العلم والعلماء.. وضدّ ذبح المعرفة وقتل كلّ جميل في بلاد العرب. لم نسمع شيئا، ولا أظنّ أنّنا سنسمع لأنّ مهمّة أولئك الذين ملؤوا الدنيا صراخا وبكاء توقّفت عند قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي استباح ليبيا أرضا وشعبا وثروة.. وعلماء.
لم يحرّكهم اغتيال الدكتورة.. ولا احتلال ليبيا.. ولا حصار سرت وبني وليد.. ولن يحرّكهم..
لا سالمة الشهيدة.. ولا ليبيا الذبيحة.. ولا سرت المحاصَرة الدامية..
كيف يمكن أن يبرّر الناعقون بالأمس هذا الصمت المخجل إزاء ما يجري في سرت؟ وهل يريدون منّا أن نصدّق أنّ المدينة تشهد حرب شوارع بين "الثوّار" و"كتائب القذّافي"؟ وكيف لمدينة مهما علا شأنها أن تصمد كلّ هذا الوقت في وجه الآلة المتوحّشة لحلف الناتو الذي يقصف المدينة منذ ما يزيد عن الشهر والنصف؟ ومن أين لهؤلاء المدنيّين الذين لا يملكون سوى ما خزّنوه من غذاء وماء ودواء أن يواجهوا قوى الشرّ والظلام التي تقصفهم ليل نهار؟
لماذا يصمت الجميع وهم يشاهدون ويدركون يقينا حجم الدمار الذي يتركه القصف الجوّيّ الغربيّ لمدينة سرت؟ لماذا يتابعون ما يجري وكأنّهم يشاهدون شريطا سينمائيّا مشوّقا ينتظرون بلهفة نهايته السعيدة؟ ما الذي يجعلنا اليوم نصمّ آذاننا عمّا يحدث هناك وكأنّ الأمر لا يعنينا؟
إنّ ما يحدث في مدينة سرت الليبيّة الصابرة جريمة دوليّة مهما كانت المقاييس التي احتكمنا إليها، ومهما كانت الأدوات التي تنفّذها.. انقطع الماء والكهرباء وتهدّمت الدور فوق رؤوس ساكنيها.. وعزّ الرغيف حتّى أكل الناس القطط والكلاب..
بعد أن يفيق الكثيرون من سكرتهم سيتساءلون: من قتل الدكتورة سالمة الصيد؟ ومن ذبح مدينة سرت الصابرة المجاهدة؟ من الذي اغتال أستاذ الطاقة النوويّة بجامعة دمشق أوس خليل؟ ومن يقف خلف اغتيال أكثر من 500 عالم عراقي؟ ومن منّا نحن العرب تحديدا أسهم أو ساعد في تخريب مدننا واحتلالها ونهب ثرواتنا وتدمير ذاكرتنا؟ من؟ وكيف؟ ولماذا؟ لكن.. هل سينفع السؤال وقتها؟
عبد الكريم بن حميدة
المصدر : موقع كتاب من أجل الحرية
عدل سابقا من قبل الفكر الأخضر في الإثنين أغسطس 05, 2013 12:50 am عدل 2 مرات (السبب : يمنع وضع الروابط الخارجية)
الأحد مايو 31, 2015 3:20 pm من طرف الفارس الفارس
» الإتحاد الأوربي و ليبيا
الأحد مايو 31, 2015 3:15 pm من طرف الفارس الفارس
» مدينة سرت الليبية و الجفرة و مناطق الوسط تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش )
الأحد مايو 31, 2015 3:02 pm من طرف الفارس الفارس
» سرت و نقص البنزين
السبت مايو 16, 2015 2:28 pm من طرف الفارس الفارس
» حديث اخضر اللثام للمنظمات الحقوقية عن مايحدث في طرابلس و ورشفانة
الخميس أبريل 30, 2015 8:24 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء أبريل 29, 2015 7:54 am من طرف عائشة القذافي
» بقلم الأستاذ : هشام عراب .
الأربعاء مارس 18, 2015 10:43 am من طرف عائشة القذافي
» نبوءة القذافي يحقّقها آل فبراير، ويقرّ بها العالم ،،
الأربعاء مارس 04, 2015 8:53 pm من طرف عائشة القذافي
» توفيق عكاشة يهدد التنظيم و يطالب أهالي سرت بعدم الذهاب للجامعة
الثلاثاء مارس 03, 2015 10:34 pm من طرف عائشة القذافي
» منظمة ضحايا لحقوق الانسان Victims Organization for Human Rights
الأربعاء يناير 21, 2015 8:49 am من طرف عائشة القذافي
» الدكتور مصطفى الزائدي - Dr.Mustafa El Zaidi
الأربعاء يناير 21, 2015 8:30 am من طرف عائشة القذافي
» معمر القذافي علي قيد الحياة بالدليل القاطع
الإثنين ديسمبر 08, 2014 8:24 pm من طرف الفارس الفارس